responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 304
فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى، وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ مُسْتَحَقٌّ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ، وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الرَّهْنِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ. قُلْت: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ حُضُورِ الرَّاهِنِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ. فَإِنْ قُلْت، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ لَكِنَّ الْفِقْهَ يَقْتَضِيه؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا اقْتَضَى التَّوْثِقَةَ، أَمَّا وَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ الْقَاضِي فِي بَيْعِهِ وَبَيْعِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ رَهْنٌ. قُلْت هَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُجَانِبًا لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اقْتَضَى الشَّيْئَيْنِ؛ التَّوْثِقَةَ، وَالْبَيْعَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْقَاضِي إنَّمَا يَبِيعُ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَبِيعُ غَيْرُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَيَبِيعُ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ.
فَإِنْ قُلْت: أَلَيْسَ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ طَرِيقًا لِوَفَاءِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ، وَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ فَيَجِبُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ. قُلْت: كَوْنُ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ طَرِيقًا صَحِيحٌ، وَكَوْنُ وَسِيلَةِ الْوَاجِبِ وَاجِبَةً صَحِيحٌ، وَاسْتِوَاءُ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ قَدْ عَيَّنَ الرَّهْنَ لِلْوَفَاءِ بِرَهْنِهِ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ امْتَنَعَ وَلَمْ يَكُنْ رَهْنٌ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ مَا شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الرَّهْنِ. قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَهْنٌ لَيْسَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَمْوَالِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَخَيُّرِ الْقَاضِي، وَلَا حَاجَةَ هَهُنَا لِتَعَيُّنِ الرَّهْنِ بِتَعْيِينِ الرَّاهِنِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ وَلَا رَهْنَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتْلِفَ أَمْوَالَهُ، وَعِنْدَ الرَّهْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَالْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الدَّيْنِ ضَامِنٌ وَلَا رَهْنَ جَازَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْ الضَّامِنِ، وَالْأَصِيلِ، وَلَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ ضَامِنٌ وَرَهْنٌ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ، وَالْأَصِيلَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ رَهْنٌ، وَالثَّانِي لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ بَلْ يُبَاعُ الرَّهْنُ، فَكَانَ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْحَالُ فِي الضَّامِنِ بَيْنَ حَالَةٍ وَعَدَمِهَا جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ فِي بَيْعِ الْحَاكِمِ بَيْنَ حَالَةِ الرَّهْنِ وَعَدَمِهَا بَلْ هُوَ فِي الْحَاكِمِ أَظْهَرُ لَا يُعْتَقَدُ خِلَافُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا بَقَاءُ الْخِيَرَةِ. فَإِنْ قُلْت هَلْ نَقُولُ: إنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَنْحَصِرُ فِي الرَّهْنِ؟ .
قُلْت: لَا، وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَعَلَّقَ بِكَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقٍ فَنَقُولُ: أَمَّا الدَّيْنُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّهْنِ وَلَا مُنَازَعَةَ فِي هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ، وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ الْمُطَالَبَةُ بِمُطْلَقِ الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، وَهَذَا لَا يَنْقَطِعُ بِالرَّهْنِ بَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ بِهِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 304
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست