responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 222
اجْتِنَابُ الْمُفْطِرَاتِ وَاجِبًا وَاجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِهَا مُفْطِرَةً أَمْ لَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُفْطِرَةً فَاجْتِنَابُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَاجْتِنَابُ سَائِرِ الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ الَّتِي لَا تُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ بَابِ كَمَالِ الصَّوْمِ وَتَمَامِهِ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِكُلِّ الْمَعَاصِي وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ وَأَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِك وَيَوْمَ صَوْمِك سَوَاءً. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الصَّوْمَ يَنْقُصُ بِمُلَابَسَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهَا وَأَنَّ السَّلَامَةَ عَنْهَا صِفَةٌ فِيهِ وَكَمَالٌ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّنْبِيهِ: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ فَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " يَنْبَغِي " الْمُشْعِرَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّ التَّنَزُّهَ مُطْلَقًا عَنْ الْغِيبَةِ وَاجِبٌ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْ الْغِيبَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي الصَّوْمِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ حَصَلَ الْإِثْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لِلنَّهْيِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ لِلتَّحْرِيمِ وَحَصَلَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ النَّدْبِ بِتَنْزِيهِ الصَّوْمِ عَنْ ذَلِكَ وَنَقَصَ الصَّوْمُ بِتِلْكَ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي هِيَ خَاصَّةٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ، وَهِيَ غَيْرُ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَقْصِ الصَّوْمِ بِذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي الْحَجِّ مِثْلُهُ قَالَ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَفِي ذَلِكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ سَلَامَةَ الْحَجِّ عَنْ ذَلِكَ كَمَالٌ لَهُ وَتَرْكُ الْكَمَالِ نَقْصٌ فَتَرْكُ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي الْحَجِّ؛ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَأَعْظَمُ مِنْ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ مِنْ تَصْنِيفِهِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ انْتَخَبْتُهُ لَمَّا كُنْت بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: أَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَغَلَ جَارِحَةً مِنْ جَوَارِحِهِ بِعَمَلٍ مِنْ غَيْرِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَوْ بِفِكْرٍ وَشَغَلَ قَلْبَهُ بِالنَّظَرِ فِي غَيْرِ عَمَلِ الصَّلَاةِ إنَّهُ مَنْقُوصٌ مِنْ ثَوَابِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَاقِدًا جَزَاءً مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَكَمَالِهَا.

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست