responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 20
وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ سَوَاءٌ أَفْعَلَهُ الشَّخْصُ أَمْ لَا؛ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ التَّرْكِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إثْمَانِ إثْمُ تَرْكِ الْأَمْرِ وَإِثْمُ ارْتِكَابِ النَّهْيِ؛ وَإِذَا أَمَرَ وَلَمْ يَنْهَ نَفْسَهُ فَقَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ هَكَذَا أَنْ يُصَدِّرَ بِالْمَحْمُودِ وَيُؤَخِّرَ الْمَذْمُومَ كَالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَكَالْبَيْتِ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ الْخُلُقِ السَّيِّئِ مَحْمُودٌ وَإِتْيَانَ مِثْلِهِ مَذْمُومٌ، وَكَانَ سَبَبُ مَجِيئِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ قَصْدُ تَقْدِيمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ بِالْبِرِّ سَبَبٌ فِي أَمْرِهِ نَفْسَهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ قَبُحَ ذَلِكَ مِنْهُ جِدًّا، وَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ مِنْ أَنْ يُقَالَ افْعَلْ وَلَا تَنْسَ نَفْسَكَ، لِأَنَّ بَعْضَ الطِّبَاعِ اللَّئِيمَةِ لَا تَنْقَادُ لِلنَّصِيحَةِ؛ فَإِذَا صَوَّرَ لَهُ فِي صُوَرٍ تُنَاقِضُ فِعْلَهُ فَالتَّنَاقُضُ تَنْفُرُ عَنْهُ جَمِيعُ الطِّبَاعِ وَالْعُقُولِ، كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى ائْتِمَارِهِ وَحُصُولِ نُزُوعِهِ عَنْ حَالَتِهِ الْقَبِيحَةِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَفْسُقُ» فَالرَّفَثُ وَالْفِسْقُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا لِلصَّائِمِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ مِنْ الصَّائِمِ أَقْبَحُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ سَبَبٌ مُؤَكِّدٌ لِاجْتِنَابِهِمَا وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا النَّوْعُ مُقَدَّمًا فِيهِ الْمَذْمُومُ كَقَوْلِهِ:
أَطَرَبًا وَأَنْتَ قَيْسَرِيٌّ
فَالطَّرَبُ مَذْمُومٌ قَبِيحٌ وَمِنْ الشَّيْخِ أَقْبَحُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ]
وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 123] وَقَدْ بَيَّنَ صَاحِبُ دُرَّةِ التَّنْزِيلِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الدُّنْيَا مَنْ وَقَعَ فِي شِدَّةٍ لَهُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ، الْأُولَى أَنْ يُغْنِيَ عَنْهُ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الشَّفَاعَةُ وَالْفِدَاءُ؛ وَالرَّابِعُ إذَا يَئِسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ حِيلَةٍ مِنْهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ نَفْيَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْآخِرَةِ وَتَطَابَقَتْ الْآيَتَانِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوْلَى وَتَأْخِيرِ الرَّابِعَةِ، وَاخْتَلَفَتَا فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ تَارَةً يَبْدَءُونَ بِالشَّفِيعِ قَبْلَ الْفِدَاءِ، وَتَارَةً عَكْسُهُ؛ وَلَمْ يُبَيِّنْ صَاحِبُ الدُّرَّةِ مُنَاسَبَةَ خُصُوصِ كُلِّ آيَةٍ لِمَا جَاءَتْ بِهِ، وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا قَدَّمَ أَمْرَهُمْ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَالْمَأْمُورُ بِالْبِرِّ قَدْ يَشْفَعُ، فَقُدِّمَتْ الشَّفَاعَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ إلَّا حَالُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَدَّمَ الْفِدَاءَ؛ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَجَاءَتْ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ مِنْ الْأُولَى، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْمَوَاعِظِ، وَوَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْأَخْذِ لِلْعَدْلِ، وَعَدَمُ نَفْيِ الشَّفَاعَةِ يَسْتَلْزِمُ قَبُولَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست