responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 174
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى: لَا جُمُعَةَ لِمَنْ صَلَّى فِي الرَّحْبَةِ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) هَذَا مَا اتَّفَقَ ذِكْرُهُ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَتَلَخَّصَ مِنْهُ مَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجُمُعَةَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَرْيَةٍ. وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ. وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ السُّلْطَانَ وَإِذَا أَخَذْنَا بِالْإِطْلَاقِ أَتَتْنَا هُنَا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مُطْلَقَةٌ مَذْهَبَانِ فِي اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ مُطْلَقًا فِي الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ، وَمَذْهَبَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ مُطْلَقًا مَعَ السُّلْطَانِ وَبِدُونِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِلتَّعَدُّدِ أَصْلًا، وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ وَظَاهِرَ الْفِعْلِ الْمُسْتَمِرِّ عَدَمُ التَّعَدُّدِ لِمُحَافَظَةِ مَنْ قَدَّمْنَاهُ عَلَى الْإِتْيَانِ إلَيْهَا مِنْ بُعْدٍ، وَاشْتِرَاطُ الْمِصْرِ يَرُدُّهُ التَّجْمِيعُ فِي حَوَايَا وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ.
وَقَدْ نَقَلُوا فِي السِّيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَنَزَلَ بِقُبَاءَ وَأَقَامَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ وَخَرَجَ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي» ، وَهَذَا إنْ صَحَّ يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِمَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حَيْثُ كَانَ وَهُوَ رَأْيُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ أَنْ تَكُونَ الْجُمُعَةُ فِي مَحَلِّ ظُهُورِ الشِّعَارِ وَلَا مَحَلَّ لِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَحَلِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِمْ وَكَذَلِكَ مَحَلُّ خُلَفَائِهِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ أَذِنَ فِي فِعْلِهَا بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ قُرَيْشٌ مَسْئُولِينَ عَلَيْهَا وَالْمَقْصُودُ بِالْجُمُعَةِ اجْتِمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ وَمَوْعِظَتُهُمْ. وَأَكْمَلُ وُجُوهِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ لِتَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ وَتَحْصُلَ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمْ، وَحَصَلَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى مُقَدَّمًا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَعُطِّلَتْ لِهَذَا الْقَصْدِ وَإِنْ كَانَتْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ أَعْظَمِ بَلْ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ.
وَهَذَا الْعَمَلُ مُسْتَمِرٌّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ مَقَاصِدَ: أَحَدُهَا: ظُهُورُ الشِّعَارِ. وَالثَّانِي: الْمَوْعِظَةُ. وَالثَّالِثُ: تَأْلِيفُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِبَعْضٍ لِتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَقَاصِدِ وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ أَدْعَى إلَيْهَا اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ مِنْ الشَّارِعِ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَكِنَّ قَوْله تَعَالَى

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 174
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست