responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 162
بِدُونِ الْعَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُحَصَّلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ السَّالِكُ لَهُ حَتَّى يُحَصِّلَهُ فَتَحْصِيلُهُ بِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَهْلٌ. فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ الْحِلُّ وَعَدَمُ التَّحْرِيمِ وَأَنْ لَا يُتْرَكَ الْعَمَلُ خَوْفَ الرِّيَاءِ أَصْلًا لِأَنَّهُ تَرْكُ مَصْلَحَةٍ مُحَقَّقَةٍ لِمَفْسَدَةٍ مَوْهُومَةٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ تَكُونُ مَشُوبَةً ثُمَّ تَصْفُو بَلْ أَكْثَرُ الْأَشْيَاءِ هَكَذَا كُلُّ مَنْ خَاضَ بِأَمْرٍ لَا بُدَّ أَنْ يَخْتَلِطَ فِيهِ الْغَثُّ بِالسَّمِينِ ثُمَّ يُنْتَقَى وَيَتَصَفَّى إلَى أَنْ يَصْفُوَ وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ فَرْقٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ يُحَصَّلُ بِهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَكِنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ انْقِيَادُ الْبَدَنِ لَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَمَا يَنْبَغِي صَعْبٌ فَيَنْبَغِي الْأَمَانُ عَلَيْهَا مَعَ مُعَالَجَةِ الْقَلْبِ فِي الْإِخْلَاصِ فَيَصِلُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ وَلَوْ قَطَعْنَا السَّالِكَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ إلَّا عَنْ الْخَالِصِ لَانْقَطَعَ خَيْرٌ كَثِيرٌ؛ وَيَكْفِي مِنْ هَذَا السَّائِلِ سُؤَالُهُ هَذَا فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ قَصْدٍ إذْ مَنْ بَعُدَ عَنْ الْعِبَادَةِ حَتَّى يَصِحَّ لَهُ الْإِخْلَاصُ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَتَعَوَّدَ بَدَنُهُ الْإِهْمَالَ وَجَرَى عَلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فَسِيرُوا إلَى اللَّهِ عُرْجًا وَمَكَاسِيرَ فَإِنَّ انْتِظَارَ الصِّحَّةِ بَطَالَةٌ وَتَرْكَ الْعَمَلِ خَوْفَ الرِّيَاءِ رِيَاءٌ وَقَوْلُهُمْ الرِّيَاءُ قَنْطَرَةُ الْإِخْلَاصِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى.
بَلْ أَنَا أَقُولُ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَبَّهْت عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى الثَّالِثِ أَنَّهُ لَا رِيَاءَ أَصْلًا لِأَنَّ الرِّيَاءَ إنَّمَا وَقَعَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الثَّالِثِ وَحْدَهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلسَّالِكِ أَنْ يُوقِفَهُ عَنْ الْعَمَلِ مَا يَلْقَاهُ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْعَمَلِ صَحِيحًا أَمَّا إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْعَمَلِ مَعَ مَا يَشُوبُهُ وَتَرْكِ الْعَمَلِ مَعَ مَا يَشُوبُهُ أَوْلَى بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ وَالنَّفْسَ وَالْهَوَى وَالدُّنْيَا بِالْمَرَاصِدِ تَجُرُّ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ إلَى مَا فِيهِ هَلَاكُهُمَا وَالْبَطَالَةُ تُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا وَدَعْ أَنْ يَكُونَ مَشُوبًا كَانَ سَابِقًا لِمَنْ يُرَاصِدُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيُعِينَهُ وَلِلَّهِ فِي الْأَعْمَالِ أَسْرَارٌ يُرْجَى بِهَا صَلَاحُهُ فَمِثَالُ الْعَمَلِ مِثَالُ السَّبِيكَةِ الذَّهَبِ فِيهَا عَيْبٌ إنْ رَمَيْتهَا لِأَجْلِ عَيْبِهَا لَمْ تَجِدْ سَبِيكَةً خَالِصَةً وَإِنْ اسْتَعْمَلْتهَا وَصَفَّيْتهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَصَلْت مِنْهَا عَلَى صَفْوَتِهَا.
وَمَنْ انْتَظَرَ فِي سَفْرَتِهِ رَفِيقًا صَالِحًا رُبَّمَا يُعَوَّقُ سَيْرُهُ فَلْيُرَافِقْ مَنْ اتَّفَقَ وَيَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ هُوَ بِحَسَبِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ لَمَّا قَالَ بِمَجْمُوعِ الْبَاعِثَيْنِ وَسِيلَةً فَنَصَبَ وَسِيلَةً عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عِلَّةَ الْفِعْلِ الْوَسِيلَةُ وَهِيَ مُغَايَرَةٌ لِلِاثْنَيْنِ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْغَزَالِيُّ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَقْصُودِ السَّائِلِ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْهُ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 162
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست