فإننا اخترنا أن تكون افتتاحية هذا العدد من هذه المجلة المباركة النافعة حول شهر رمضان، فضله وبعض ما يشرع فيه من العبادات. فإن الله سبحانه وتعالى قد من علينا بهذا الشهر الكريم المبارك، زمن فاضل خصه الله بمزيد من الخصائص من بين سائر الشهور، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن كتاب الله العظيم يقول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [1] في هذا الشهر تفتح أبواب الرحمة، وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين، فتكون النفوس المؤمنة مقبلة على طاعة ربها، معرضة عن معاصيه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين [2] » رواه الجماعة إلا أبا داود بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة رضي الله عنه. وجاء عند بعضهم عن غيره، وزاد الترمذي وابن ماجه والنسائي في رواية: «وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة [3] » وفي بعض الروايات تقييد التصفيد والغل بمردة الشياطين؛ فاختلفت أنظار العلماء في شرحه وبيانه فمنهم من قال: إن التصفيد خاص بمردة الشياطين دون غيرهم تقليلا للشر في هذا الشهر، وقال بعضهم: إن هذا الفضل إنما يحصل للصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه. وقال آخرون -وهو الأقرب إلى الصواب بإذن الله-: إن تصفيد الشياطين على حقيقته، ولا يلزم من تصفيد جميع الشياطين أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية، فالمقصود أنه وبكل حال فإن هذا الشهر فرصة لمن وفقه الله وفتح على قلبه للإقبال على طاعته، والبعد عن معاصيه لتوفر أسباب ذلك ودواعيه. [1] سورة البقرة الآية 185 [2] صحيح البخاري بدء الخلق (3277) ، صحيح مسلم الصيام (1079) ، سنن الترمذي الصوم (682) ، سنن النسائي الصيام (2104) ، سنن ابن ماجه الصيام (1642) ، مسند أحمد بن حنبل (2/378) ، موطأ مالك الصيام (691) ، سنن الدارمي الصوم (1775) . [3] سنن الترمذي الصوم (682) ، سنن ابن ماجه الصيام (1642) .