الشروع في النافلة أم الاشتغال بالأذكار بعد أداء الصلاة الفريضة
س: سماحة الشيخ أيهما أفضل بعد أداء الصلاة الفريضة، الشروع في النافلة أم الاشتغال بالأذكار؟
ج: المسلم في جميع أموره وتصرفاته محكوم بالشرع وعليه تحري السنة فيما يقدم عليه من أمر دينه ودنياه والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [1] والذي ينظر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون منه بعد السلام من الفريضة يجده صلى الله عليه وسلم ينشغل بالأذكار التي تقال بعد الصلاة ولا ينشغل بغيرها من تلاوة كتاب الله عز وجل أو صلاة لنافلة ونحو ذلك يدل على ذلك أحاديث، منها حديث ثوبان رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام [2] » أخرجه مسلم، وفي رواية يا ذا الجلال والإكرام.
ومنها ما أخرجه الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في كتابه الذي بعث به إلى معاوية رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد [3] » .
وفي صحيح مسلم رحمه الله أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ولى الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون [4] » وقال - أي ابن الزبير رضي الله عنهما -: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة [5] » .
وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، قال: ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين [6] » الحديث، وهذا لفظ البخاري.
وقد أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، ومقصوده أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر عقب الصلاة فمن كان في طرف الصف يعلم انقضاء الصلاة بذلك والله أعلم.
فإذا انتهى من الأذكار يقرأ آية الكرسي، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، ثم يصلي الراتبة البعدية في الظهر والمغرب والعشاء. هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وينبغي لنا أن نتأسى به في أقواله وأفعاله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [7] . [1] سورة الحشر الآية 7 [2] صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (591) ، سنن الترمذي الصلاة (300) ، سنن النسائي السهو (1337) ، سنن أبو داود الصلاة (1512) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (928) . [3] صحيح البخاري الأذان (844) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) ، سنن النسائي السهو (1341) ، سنن أبو داود الصلاة (1505) ، مسند أحمد بن حنبل (4/245) ، سنن الدارمي الصلاة (1349) . [4] صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (594) ، سنن النسائي السهو (1340) ، سنن أبو داود الصلاة (1506) ، مسند أحمد بن حنبل (4/4) . [5] صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (594) ، سنن النسائي السهو (1340) ، سنن أبو داود الصلاة (1506) ، مسند أحمد بن حنبل (4/4) . [6] صحيح البخاري الأذان (843) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (595) ، سنن أبو داود الصلاة (1504) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (927) ، مسند أحمد بن حنبل (2/238) ، موطأ مالك النداء للصلاة (488) ، سنن الدارمي الصلاة (1353) . [7] سورة آل عمران الآية 31