فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق خلقه من إنسه وجنه لتحقيق عبادته بصرف جميع أنواع العبودية له وحده لا شريك له، كما لم يكن له شريك في خلقهم ورزقهم وإحيائهم وإماتتهم، يقول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [1] {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [2] {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [3] فحصر سبحانه مراده من خلق الجن والإنس في تحقيق عبادته، وأداة الحصر هنا (ما، وإلا) كما هو معلوم، ونفى سبحانه أي إرادة له في تحصيل رزق من عباده ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه هو الرزاق، وهو سبحانه ذو القوة المتين فتمحضت إرادة ربنا وخالقنا سبحانه من خلقنا في أمر واحد ألا وهو عبادته وحده لا شريك له {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [4] لأجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [5] .
والعبادة قد عرفها العلماء بعدة تعاريف كلها راجعة في نهاية الأمر إلى شيء واحد، ومن أوضح تعاريفها: ما ذكره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في رسالته (العبودية) حيث قال: والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ومن هنا يتبين لنا أن العبادة جنس تحته أنواع، وبعض الأنواع تحتها أفراد، فجنس العبادة منه الباطن ومنه الظاهر، والباطن له أنواع كثيرة من محبة ورجاء وخوف وخشية وقصد واعتقاد وتعظيم ونحو ذلك، والظاهر له أنواع، فمنه القولي ومنه العملي، والقولي له أفراد أعلاها قول لا إله إلا الله، ومن أفراده الصدق وقول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة والذكر والدعاء.
والعملي له أفراد من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد، وإراقة الدم، ونحو ذلك.
والعبادة متنوعة باعتبار آخر، فمنها فعل الشيء بالجوارح وملازمة فعله كالصلاة خمس مرات في اليوم. [1] سورة الذاريات الآية 56 [2] سورة الذاريات الآية 57 [3] سورة الذاريات الآية 58 [4] سورة النساء الآية 36 [5] سورة النحل الآية 36