بقوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله لعيسى ابن مريم: إني باعث بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم، قال: يا رب كيف ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي" [1].
فإذا تصور العارف ما حصل في خلافة أبي بكر وعمر، ممن اجتمع من المسلمين على حرب فارس والروم لما أظهرهم الله عليهم، ملؤوا الشام والعراق والحجاز واليمن وغيرها، فما زالوا كذلك على السنة في القرون الثلاثة، والجهاد قائم بهم، والأقاليم مملوءة منهم.
وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشره، ومنهم من ينتضل، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فانتهيت إليه وهو يخطب الناس، ويقول: أيها الناس إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم، وينذرهم عما يعلمه شرا لهم. ألا وإن عافية هذه في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتن يرقق بعضها بعضا. تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثم تنكشف فيقول: هذه هذه. ثم تنكشف، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر".
ويشهد لهذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" انتهى الحديث. [1] أحمد (6/450) .