responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 9
فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ فَسَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ ثُمَّ زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَعُودُ طَهُورًا كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمُخَالِطِ الْمُتَغَيِّرِ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ عَوْدُ الطَّهُورِيَّةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: (وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ بِمَا مَرَّ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ) . اهـ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا سَلْبَ الطَّهُورِيَّةَ بِوُجُودِ التَّغَيُّرِ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَاءِ وَكَثِيرِهِ، فَإِذَا زَالَ مَا بِهِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ عَادَتْ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَا لَمْ يَخْلُفْهَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهُنَا لَمْ يَخْلُفْ تِلْكَ الْعِلَّةَ أَعْنِي: التَّغَيُّرُ شَيْءٌ آخَرُ يَقْتَضِي سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا لَوْ خَافَ شَخْصٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمُسَخَّنِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَوْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُشَمَّسِ فِي الْبَدَنِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْكَرَاهَةِ.
وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِهَا كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْمَرَاغِيُّ فِي شَرْحِ الزُّبَدِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَصَحَّحَهُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: (أَنَّهُ الصَّوَابُ) وَقَالَ فِيهِ لَوْ بَرَدَ الْمَاءُ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.
ثَالِثُهَا: إنْ قَالَ طَبِيبَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَالَ السَّائِلُ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّحْرِيمِ نَصٌّ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ فَبَيِّنُوهُ لَنَا؟ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُسَخَّنِ فَأَوْضِحُوا ذَلِكَ؟ - جَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا - فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ التَّحْرِيمِ فِي الْمُشَمَّسِ مُشْكِلٌ عَلَيْنَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّ الْمُضْطَرَّ. إذَا خَافَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ) جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيْتَةِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ.
وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَمُقْتَضَاهُ: جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ نَدْبُهُ، وَإِنْ خَافَ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ حِينَئِذٍ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ التَّفَهُّمُ وَالِانْتِفَاعُ لَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الْعُلَمَاءِ بِالِاسْتِشْكَالِ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ وَاطِّلَاعٍ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ لِبَعْضِ النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ وَالطِّبَاعِ - آجَرَكُمْ اللَّهُ وَزَادَكُمْ كَمَالَ الِاطِّلَاعِ -.
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ لِمَ لَا؟ قَالُوا بِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْمُشَمَّسِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَأَجَابَ بِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ الْمَسْمُومِ اهـ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَقِبُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ يَحْصُلُ أَيْ الضَّرَرُ لِمَنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: مَتَى خَافَ الضَّرَرَ حَرُمَا. كَلَامُ الزَّرْكَشِيُّ فَهُوَ نَاقِلٌ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِضَرَرِ الْمُشَمَّسِ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَهَذَا نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ أَيْضًا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ مَتَى شَهِدَ طَبِيبَانِ أَوْ طَبِيبٌ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبَرَصَ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ اهـ.
وَيُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ قَوْلُهُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ: اسْتِعْمَالُ الْمَرِيضِ الْمَاءَ مَعَ ظَنِّ تَرَتُّبِ ضَرَرٍ يُخَافُ مِنْهُ حَرَامٌ وَمَعَ الشَّكِّ أَوْ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ جَائِزٌ نَعَمْ هَذَا، وَلَك أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ أَوْ الْعَدْلَ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ تَارَةً يُخْبِرَانِ بِضَرَرِ الْمُشَمَّسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَتَارَةً يُخْبِرَانِ بِضَرَرِهِ لِإِنْسَانٍ بِخُصُوصِهِ لِمُقْتَضٍ قَامَ بِمِزَاجِهِ فَالْأَوَّلُ: هُوَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ لَا الْحُرْمَةِ لِأَنَّ مَا نَدَرَ تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَ مِنْهُ الْمُشَمَّسَ إذْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِالنِّسْبَةِ لِمِزَاجٍ مَخْصُوصٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ إلَّا نَادِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَئِيسُ الْأَطِبَّاءِ ابْنُ النَّفِيسِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
وَالثَّانِي: هُوَ مَحَلُّ الْحُرْمَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ بِضَرَرِ الْمَاءِ لِبَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ الْمُشَمَّسَ لَا يُكْرَهُ إلَّا إنْ قَالَ طَبِيبَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ بَرَصٌ فَاشْتَرَطَ شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ فِي ثُبُوتِهِ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست