responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 177
الْآيَةَ عَلَى الذِّكْرِ حَالَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ أَنْ تُرْفَعَ عِنْدَهُ الْأَصْوَاتُ، وَيُقَوِّيه اتِّصَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] . . . إلَخْ.
قِيلَ: وَكَأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْإِنْصَاتِ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْلَادَ إلَى الْبَطَالَةِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّكُوتِ بِاللِّسَانِ - فَتَكْلِيفُ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ بَاقٍ حَتَّى لَا يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] وَبِأَنَّ السَّادَةَ الصُّوفِيَّةَ قَالُوا: الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَامِلُ الْمُكَمَّلُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ - مِمَّنْ هُوَ مَحَلُّ الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ - فَمَأْمُورٌ بِالْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِهَا، وَيُؤَيَّدُ بِحَدِيثِ الْبَزَّارِ: «مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ بِاللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَتَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ» وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ، وَأَنَّهُ يَنْطَرِدُ بِجَهْرِهِ بِقِرَاءَتِهِ عَنْ دَارِهِ، وَعَنْ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهُ - فُسَّاقُ الْجِنِّ وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الِاعْتِدَاءِ فِي {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] بِالْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ - فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا.
وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» فَهَذَا تَفْسِيرُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ لَا فِي الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ بِخُصُوصِهِ الْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِسْرَارُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ.
وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُهَلِّلُونَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أُرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ بَلْ لَمْ يَرِدْ؛ وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَنْهَى عَنْ الذِّكْرِ؛ مَا جَالَسْتُ عَبْدَ اللَّهِ مَجْلِسًا قَطُّ إلَّا ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَفْظُهُ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ وَمَرَاسِيلَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَمَا حُكْمُ كَرَاهَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا حَمْلُ كَرَاهَتِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَاصِدًا الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ مُتَطَهِّرًا، كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ كَانَ مُصَلِّيًا» . وَحِكْمَةُ الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَبَثٌ لَا يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ النَّوْمَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ، وَمَعَ أَنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْلِمِينَ: «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» وَحَمْلُ إبَاحَتِهِ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَخْصِيصُ النَّهْيِ بِالصَّلَاةِ لَا غَيْرُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا.» زَادَ الْبَيْهَقِيّ: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.»

[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ -: فِيمَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَشَكَّ الْمَأْمُومُ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَشَكَّ أَثَانِيَةٌ هِيَ أَمْ أُولَى؟ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَأْتِي بَعْدَ السَّلَامِ بِبَاقِي صَلَاتِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ الْمُتَابَعَةُ فَيَنْتَظِرُهُ قَائِمًا أَوْ يُفَارِقُهُ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ - بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ؛ وَلِاشْتِمَالِ عِبَارَتِهِ عَلَى فَوَائِدَ أَحْبَبْت ذِكْرَهَا - وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً - وَهِيَ: وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ؛ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَعَلِمَ حُرْمَةَ مُتَابَعَتِهِ؛ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ - نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ، فِي الْجَنَائِزِ -: وَلَا انْتِظَارُهُ بَلْ يُسَلِّمُ، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ عَادَ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ انْتِظَارُهُ؛ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ تَنَحْنَحَ إمَامٌ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ؛ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست