responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 170
يَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِمَا يُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ عِمَامَةٍ» وَيَتَطَيْلَسُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَقَرُّوهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَفْضِيلُهُ عَلَى الرِّدَاءِ؛ أَيْ لِصَوْنِهِ الْبَصَرَ عَنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي الصَّلَاةِ وَيَرْتَدِي وَيَتَّزِرُ أَوْ يَتَسَرْوَلُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٌ مِنْ رِدَاءٍ أَوْ مَعَ إزَارٍ أَوْ مَعَ سَرَاوِيلَ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: وَأَفْضَلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْقَمِيصُ مَعَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الرِّدَاءِ يَعُمُّ، وَخَالَفَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ: الْقَمِيصُ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ إزَارٍ أَوْلَى مِنْ الْقَمِيصِ مَعَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَيْنِك أَبْلَغُ فِي السَّتْرِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: قَوْلُهُمْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى قَمِيصٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَدَنِ، ثُمَّ رِدَاءٌ - وَهُوَ مَا عَلَى الْكَتِفِ - لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَفْضُلُ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى الْكَتِفِ، ثُمَّ إزَارٌ ثُمَّ سَرَاوِيلُ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّدَاءُ سَابِغًا؛ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْإِزَارِ وَزِيَادَةً. وَكَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِي الْإِزَارِ أَوْ السَّرَاوِيلِ - عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّدَاءُ لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، فَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ مُجَرَّدِ التَّجَمُّلِ بِالرِّدَاءِ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعَ الْمُتَقَمِّصِ - إنْ كَانَ يَعُمُّ عَوْرَتَهُ إذَا ارْتَدَى بِهِ - فَالِارْتِدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الِاتِّزَارِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعُمُّهَا فَالِاتِّزَارُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِارْتِدَاءِ بِهِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الِارْتِدَاءِ وَالِاتِّزَارِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعَمُّمِ.
وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِمَامَةِ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ فَقَدْ حَكَمَ الْحُفَّاظُ عَلَى حَدِيثِ: «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةً» ، وَحَدِيثِ: «الصَّلَاةُ فِي الْعِمَامَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ حَسَنَةٍ» بِأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ بَاطِلَانِ؛ فَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ اللَّفْظُ لَذَكَرُوهُ. وَلَمْ يُطْلِقُوا الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالُوا: وَمِنْ الْمَوْضُوعِ أَيْضًا: «صَلَاةٌ بِخَاتَمٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ خَاتَمٍ.» ثُمَّ رَأَيْت الدَّيْلَمِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَلَفْظُهُ: «رَكْعَتَانِ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا عِمَامَةٍ.» وَفِي أَحَادِيثِ الدَّيْلَمِيِّ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا مَا هُوَ مَشْهُورٌ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ (يَنْبَغِي تَفْضِيلُ الطَّيْلَسَانِ عَلَى الرِّدَاءِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الرِّدَاءِ أَعْظَمُ، فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ تَفْضِيلِ الرِّدَاءِ.
هَذَا كُلُّهُ إنْ وَجَدَ سُتْرَةً فِي صَلَاتِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهَا وَلَا أَمْكَنَهُ الْخَطُّ الْمُحَصِّلُ لِفَضْلِهَا فَهَلْ الْأَوْلَى جَعْلُهُ سُتْرَةً يُصَلِّي إلَيْهِ أَوْ زِيَادَةُ التَّجَمُّلِ بِهِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْ السُّتْرَةَ ضَرَّهُ مَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الضَّرَرِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ؛ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّهُ - بِتَرْكِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا - مُعِينٌ عَلَى حَرَامٍ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ - أَثِمَا جَمِيعًا إلَّا إنْ وَقَفَ بِطَرِيقٍ فَيَأْثَمُ الْمُصَلِّي فَقَطْ اهـ وَفِيهِ - أَعْنِي مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرٌ.
وَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ الصَّلَاةِ بِالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِالضَّرَرِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ قَطْعُ الْخُشُوعِ.
وَضَرَرُ الِاشْتِغَالِ بِالْمَارِّ بَلْ وَتَمَكُّنُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ بِالْوَسْوَسَةِ وَالْمُخَادَعَةِ وَإِلْفَاتِهِ عَمَّا هُوَ فِيهِ؛ حَتَّى لَا يَعْقِلَ مِنْ صَلَاتِهِ شَيْئًا أَوْ إلَّا أَقَلَّهَا فَيَفُوتَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، فَكُلُّ ذَلِكَ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ جَعْلَ الثَّوْبِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ سِتْرَةً - إذَا لَمْ يَجِدْ سِتْرَةً غَيْرَهُ يُصَلِّي إلَيْهَا - أَوْلَى مِنْ الِارْتِدَاءِ وَالتَّعَمُّمِ وَالِاتِّزَارِ بِهِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، بَلْ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» ، يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الْخِلَافِ، فَكَانَتْ رِعَايَتُهُ أَوْلَى.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ (إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا) : «كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاقِدِي أُزُرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ» وَقَالَ لِلنِّسَاءِ: «لَا تَرْفَعْنَ رُؤْسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا» اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا نُهِينَ عَنْ الرَّفْعِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَلْمَحْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ اهـ فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، أَوْ لِضِيقِ ثَوْبٍ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 170
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست