responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الاقتصادية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1402
فتوى رقم (61)
السؤال
بكتاب سفارة نيجيريا بالقاهرة المؤرخ 14 نوفمبر 1980م المرفق به ورقة الأسئلة الموجهة من السيد الحاج رينجيم رئيس اتحاد توفير القرض النيجيري وقد جاء بها إن هذا الاتحاد يعمل بصفة عامة من أجل أربعة أغراض هي: - تقوية الاقتصاد توفير الضمان بأقل معدل من الفائدة تعليم الناس الاستغلال الحكيم لأموالهم والإدارة الصالحة لمواردهم المحدودة تعليم الناس التعاون بتجميع جميع الموارد المالية والإنسانية من أجل حل مشاكلهم ثم إن هذا الاتحاد مجموعة من الأشخاص قرروا أن يوفروا أموالهم من أجل توفير قروض والحصول على فائدة قليلة بينهم وعلى سبيل المثال أعضاء الاتحاد هم بعض الأفراد في المجتمع أو العاملين في أي وزارة حكومية أو من سكان القرى والعضوية فيه مفتوحة للجميع بغض النظر عن الديانة أو الجنسية أو الانتماء السياسي وعمل الاتحاد بقبول مدخرات أعضائه ومن هذه المدخرات يوفر القروض للأعضاء بأقل سعر من الفائدة لمواجهة النفقات المتزايدة ويحرص الاتحاد على أن تظل النفقات على أقل قدر ممكن وأن غرضها الأساسي هو أن تؤدي خدمات دون أن تحصل على فائدة وما تحصله من فوائد على القروض إنما هو لتتمكن من دفع التكاليف لمواجهة كل الاحتياجات المطلوبة ودفع فائدة عادلة على المدخرات للأعضاء ثم إن هذه الفائدة تدفع منها التكاليف والنفقات لتعود إلى الأعضاء مرة أخرى لتقسم على المدخرات فليس هناك أي استغلال وينتخب الأعضاء من بين أنفسهم المدير ومجلس الإدارة لإدارة اتحاد الضمان والاتحاد يقبل جميع المدخرات من جميع الأعضاء وبهذا تتجمع الاعتمادات المالية وهذه الاعتمادات تعود ثانية إلى الأعضاء على شكل قروض لمن يحتاجها من الأعضاء ولا يتم توزيع النقود كل عام إلا بعد دفع المصاريف ثم انتهت الورقة بالأسئلة التالية: -
هل تعاليم الإسلام تتوافق مع المنظمات التعاونية عموما أم لا؟ كيف يرى الإسلام دور الوظائف للتنمية في تطوير المجتمعات الإفريقية وأنظمتها السياسية والاقتصادية؟ كيف أن مشكلة الفائدة وتعاليم القرآن من الممكن أن تحل في ضوء الاكتفاء الذاتي عن طريق التعاون والتطوير؟ إلى أي مدى يمكن التعاونيات عموما واتحاد الضمان من أن يستفاد منها في البلاد الإسلامية وأماكن انتشار الإسلام فيها قليل؟ مع المؤسسات والمنظمات الإسلامية ينبغي البحث عن رفعة الإنسان عن طريق التعاون عموما واتحاد الضمان الخاص ما الطريقة المثلى - حسب تعاليم الإسلام - لتنظيم اتحادات الضمان بين المسلمين؟ أي الفائدة محرمة إسلاميا؟
الجواب
إن الله سبحانه وتعالى أورد الربا في القرآن في مواضع متعددة وكان آخر الآيات نزولا
(1) في شأن الربا (على ما صح عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما) قوله تعالى
(2)
(سورة:2, آية:278)
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
وفي السنة الشريفة
(3) روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد
وهذا النص من السنة قسم الأشياء التي يراد تبادلها إلى ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: أن يكون البدلان من نوع واحد كالذهب بالذهب فهاهنا يخضع التبادل لشرطين التساوي في الكم والفورية في التبادل بمعنى عدم تأجيل شيء من البدلين
الضرب الثاني: اختلاف نوعي البدلين مع أنهما من جنس واحد كالذهب بالفضة وكالقمح بالشعير فهاهنا شرط واحد وهو الفورية في التبادل والقبض ولا يضر اختلاف الكم
الضرب الثالث: أن يكون البدلان من جنسين مختلفين كالفضة والطعام فلا يشترط في هذا شيء من هذين القيدين بل تكون المقابضة فيهما حرة والقواعد المستفادة من هذا الحديث الشريف وغيره في باب التبادل والتقابض تهدف إلى حماية النقود والأطعمة وهما أهم حاجات الناس وأعظم مقومات حياتهم ذلك بمنع تعريضهما للتقلبات المفاجئة في التنمية فوق منع احتكارهما أو إخفائهما ومن جهة أخرى الحرص على حماية الفقراء وغيرهم من طرق الغبن والاستغلال نجد هذا الهدف واضحا في الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من التمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
ما هذا بتمرنا فقال الرجل يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الربا ردوه ثم بيعوا تمرنا ثم اشتروا لنا من هذا
ما هو الربا (في لغة العرب أن الربا الزيادة) وفي اصطلاح فقهاء المسلمين: زيادة مال في معاوضة مال بمال بدون مقابل وهذه وما بعدها الزيادة: إما أن تكون حقيقة كالزيادة في أحد البلدين المتجانسين على الآخر مع التقابض في الأصناف التي يجري فيها الربا وهي ما أطلق عليه الفقهاء ربا الزيادة وإما أن تكون الزيادة حكمية أو زيادة في المعنى كالتأجيل في قبض أحد البدلين في الأصناف التي يجرى فيها هذا النوع من الربا وفي هذه الحالة تسمى الزيادة ربا النسيئة أي التأخير وقد تصاحب هذه الزيادة الحكمية زيادة حقيقية في البدل المشروط تأجيله في مقابلة الأجل فالزيادة إذا كانت مشروطة في العقد صراحة أو معروفة للمتعاقدين عند إجراء العقد بحيث يستغنيان بهذه المعرفة عن اشتراطها صراحة تكون ربا من غير شك والذي تفيده الأحاديث النبوية الشريفة التي رواها رجال الحديث الموثوق بهم البخاري ومسلم والنسائي وأحمد في أبواب المضاربة والمزارعة والمساقاة أن اشتراط جزء معين من ربح ذلك ثمراته لأحد المتعاقدين منهى عنه لأنه يخل بالمقصود من العقد وهو الاشتراك في النتائج والثمرات ومن أجل هذا اشترط الأئمة الفقهاء لزوم خلو العقد من مثل هذه الاشتراطات تطبيقا للسنة الصحيحة وهى الأصل الثاني للشريعة ولقد أثبت الإمام مالك في الموطأ ما يفيد انعقاد الإجماع على أنه: لا يجوز اشتراط جزء معين غير نسبى من الربح لصاحب المال في القراض نفسه فقد قال رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه فيه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه إن ذلك لا يصلح وإن كان درهما واحدا إلا أن يشترط نصف الربح له ونصفه لصاحبه أو ثلثه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر فإذا سمى شيئا من ذلك قليلا أو كثيرا فإن كل شيء سمى من ذلك حلال وهو قراض المسلمين قال: ولكن إن اشترط أن له من الربح درهما واحدا فما فوقه خالصا له دون صاحبه وما بقي من الربح فهو بينهما نصفين فإن ذلك لا يصلح وليس على ذلك قراض المسلمين (لما كان ذلك: كانت الفائدة المحرمة في الإسلام هي تلك التي سماها) الربا وهو كل زيادة مالية في معاوضة مال بمال بدون مقابل حقيقي وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الأديان السماوية كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وبينت السنة النبوية الشريفة تحريمه بنوعيه - ربا الفضل وربا النسيئة في أحاديث وحوادث كثيرة حوتها كتب السنة السنة الصحيحة ولقد حث الإسلام بنى الإنسان على التعاون على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان فتح الباري شرح صحيح البخاري وصحيح مسلم بشرح النووي ونيل الأوطار للشوكاني فقال الله سبحانه في القرآن الكريم
(سورة:5, آية:2)
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
ومن أوجه التعاون على البر المأمور به في هذه الآية: تعاون المسلمين في الأمور المالية كالتجارة والمزارعة والمساقاة والصناعة وذلك في نطاق القواعد العامة التي بينها الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى كقوله
(سورة:2, آية:188)
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
ومع المحافظة على التوازن بين مصلحة الفرد ومصالح الجماعة على ما تشير إليه آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتعاون على الخير بوجه عام أمر مقرر في الإسلام وهو الوسيلة القويمة إلى إصلاح المجتمع وإيجاد الصفاء والوفاق بين أفراده بديلا للجفاء والشقاق والتباغض والتحاسد والتعاون الإسلامي في الماليات مشروط بألا يدخل في نطاق الربا المحرم الذي سبق بيان وصفه وعنوانه وأدلته وأما دور الإسلام في ترتيب الوظائف العامة: فإن القرآن الكريم قد وضع أساس هذه الوظائف ورتب لها الأجر نظير العمل نجد هذا واضحا في القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه
(سورة:9, آية:60)
إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها
إذ في جعل (العاملين عليها أصحاب) سهم من الصدقات نظير تفرغهم للقيام على جمعها وإيداعها بيت المال وحفظها في هذا دليل على جواز إنشاء الوظائف اللازمة لإدارة أموال المسلمين ومختلف شؤونهم وترتيب الأجور والمرتبات بما يكفي حاجاتهم ويصرفهم إلى القيام بما أسند إليهم من أعمال وعلى هذا جرى عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وتواتر عمل المسلمين عليه في جميع العصور ووفقا لما تقدم عن بيان مفهوم الربا المحرم شرعا (الفائدة) فإنه يجب على المسلمين اجتناب التعامل بهذه الفوائد الربوية بوصفه تعاملا محرما شرعا ويمكن إيجاد بديل لهذه الفوائد المحرمة باستثمار الأموال المدخرة في شركات للتجارة أو للصناعة أو الزراعة ويقوم بهذا جمعية تدير هذه الشركات إما بوصفها وسيطا وإما بوصفها وكيلا عن أصحاب الأموال المدخرة وبمعيار الربا المحرم يمتنع في نطاق أحكام الإسلام تلك الأعمال التي تقوم بها المصارف التجارية التي تباشر عمليات القروض إذ أن عمليات في هذا المضمار يقع على ضربين: اقتراضها الأموال من أصحاب الودائع مقابل فائدة تعطى لهم لأن الودائع في مثل هذه الحال بمثابة قروض نظير فائدة إقراضها الأموال المتجمعة تحت يدها أو جزءا منها إلى عملاء آخرين مقابل فائدة بسعر أعلى تحصل عليها وتثرى هذه المصارف بما يتجمع لديها من فروق بين سعر فائدة الإقتراض وسعر فائدة الإقراض وهذا هو الربا الذي حرمه الإسلام لما فيه من مضار ومفاسد وما يترتب عليه من خلق فئة متعطلة وحبس المال عن التداول ومن هنا: كان لا بد للمسلمين من التفكير في الالتجاء إلى نظام آخر يبتعدون به عن هذا الربا ويتمثل هذا النظام بوجه عام في التعاون على استثمار أموالهم في الوجوه المشروعة في الإسلام وإقراض المنتجين دون فوائد وإقراض المنتجين والمستثمرين بمشاركتهم في مشروعاتهم التجارية أو الزراعية أو الصناعية واتحاد الضمان - المسئول عنه - وحسبما جاء بورقة السؤال من إيضاح تدخل أعماله في نطاق الفائدة المحرمة في الإسلام باعتبارها من الربا الذي حرمه الله سبحانه في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء بالسؤال عن كيفية عمل اتحاد الضمان ما يلي: - إن اتحاد الضمان يقبل مدخرات أعضائه وبهذه المدخرات يوفرون القروض للأعضاء بأقل سعر من الفائدة لمواجهة النفقات المتزايدة فهذه الفائدة مهما كانت قليلة تدخل في نطاق ربا الزيادة أو ربا الفضل الذي سبق بيانه باعتبارها قدرا من المال زائدا عن أصل القرض فتكون محرمة شرعا ذلك لأن عقد القرض في الشريعة الإسلامية - كما عرفه الفقهاء - هو تمليك شخص لآخر عينا من المثليات له قيمة مالية مما لا ينتفع به إلا باستهلاكه ويكون ذلك بمحض التفضل بمعنى أن تكون منفعة القرض عائدة على المقترض فقط وبهذا خرج عقد الربا لأنه قرض في نظير منفعة تعود على المقرض والقرض بمعناه الشرعي - سالف الذكر - مشروع بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى
(سورة:2, آية:245)
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون
وفي السنة الشريفة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
وقد أجمع المسلمون على مشروعيته في جميع العصور وقد نقل صاحب المغنى أن كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بلا خلاف وقد روى عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة لما كان ذلك: كانت كل زيادة مشروطة في القرض أو مستفادة بسببه من باب الربا المحرم في الإسلام وإذا كان الظاهر من السؤال أن اتحاد الضمان هو مجموعة من الأشخاص قرروا أن يوفروا: أموالهم من أجل توفير قروض والحصول على فائدة قليلة منهم وأن اتحاد الضمان يقبل مدخرات أعضائه بهذه المدخرات يوفرون القروض للأعضاء بأقل سعر من الفائدة لمواجهة النفقات المتزايدة إذا كان ذلك: كان الهدف هو تضامن أعضاء هذا الاتحاد وتعاونهم بما يؤدونه من اشتراكات الصندوق الذي يقرض المحتاج من الأعضاء المشتركين: فيه وإذا كان هذا هو المستهدف لم يجز في نطاق أحكام الإسلام في القروض أن يحصل الصندوق على فائدة من المقترض مهما كان قدرها حتى لا يدخل تعامل صندوق الاتحاد مع أعضائه في نطاق الربا الذي حرمه الإسلام وإنما لإدارة هذا الاتحاد أن تحصل من المقترض على مبلغ ثابت وقت القرض في نظير أجور القائمين على إدارة الاتحاد ورصد الكبير حساباته باعتباره أجرة كتابة لا فائدة للقرض ذلك لأن فقهاء المسلمين لم يختلفوا على جواز أخذ الأجرة على كتابة صك الدين وأن الأجرة في هذه الحال على المدين وعلى هذه الإدارة أيضا تستثمر فائض الأموال المدخرة بالطريق المشروع في الإسلام مثل التجارة أو الزراعة أو الصناعة ولا يجوز لها شرعا الاستثمار بالإقراض بفائدة محددة قدرا وزمنا كإقراض مائة مثلا بواقع 7 % لمدة سنة أو سنتين لأن القرض على هذا الوجه من الفائدة ربوي محرم في الإسلام ومما تقدم يمكن أن تستظهر الإجابة على الأسئلة المحددة المطروحة على الوجه التالي: هل تعاليم الإسلام تتوافق مع المنظمات التعاونية عموما بالاتفاق أولا؟ على هذا السؤال: أجاب القرآن بقول الله تعالى:
(سورة:5, آية:2)
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
فأي صورة للتعاون بين الناس تجلب خيرا ولا تحوى إثما أو تجر إليه تكون من مشمولات التعاون المشروع في الإسلام كيف يرى الإسلام الوظائف للتنمية في تطوير المجتمعات الإفريقية وأنظمتها السياسية والاقتصادية؟ من آية
(سورة:9, آية:60)
إنما الصدقات
نستفيد مشروعية الوظائف فقد أعطت هذه الآية نصيبا للعامل الذي يتولى جمع الصدقات واعتبرت عمله هذا وظيفة وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاة والقضاة والعمال على الجهات التي دخلها الإسلام وأعطاهم على ذلك أجرة لتفرغهم لعملهم الذي فيه صلاح حال الناس وقضاء أمورهم ومن ثم: فالإسلام قد شرع المبدأ أما نوعية الأعمال والوظائف فإنها تختلف بحسب الزمان والمكان والعرف والعادة ولكل قوم أن ينظموا الوظائف حسب مقتضى الحال في ديارهم في نطاق قواعد الإسلام العامة التي لا يتسع مجال هذا السؤال للاستطراد في بيانها كيف إن مشكلة الفائدة وتعاليم القرآن الكريم من الممكن أن تحل في ضوء الاكتفاء الذاتي عن طريق التعاون والتطوير؟ إن الإسلام حرم الربا - بمعناه المتقدم - حرصا على تنمية المال واستثماره بطرق يستفيد بها ومنها أكبر عدد من الناس حتى يتسع مجال العمل والرزق للكثيرين الذين قد تكون لديهم القدرة على العمل وليس في أيديهم رأس مال ومن هنا: كان من دواعي تحريم الإقراض بفائدة أن صاحب المال سيصبح متعطلا عن العمل المثمر لأنه يكتفى بفوائد قروضه وكان هذا داعيا أيضا لحبس المال عمن يستطيع استثماره بالعمل وبهذا وغيره من الحكم التي ابتغاها القرآن بتحريمه للربا تصبح الفائدة المحددة قدرا وزمنا لا محل لها في الإسلام بعد أن حث على العمل وعلى استثمار الأموال في التجارة والصناعة والزراعة وغير هذا من متنوعات العمل التي تختلف باختلاف الزمان والمكان وإمكان القيام به وهذا من أوجه التعاون - في الإسلام فإن إقامة الشركات المساهمة مثلا تعاون في سبيل الاستثمار والاكتفاء إلى أي مدى يمكن التعاونيات عموما واتحاد الضمان من أن يستفاد منها في البلاد الإفريقية وأماكن انتشار الإسلام فيها قليل؟ إن المسلم عليه واجب الإيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن وفي السنة وأن ينتهى عما نهى الله عنه ولقد اعتاد العرب قبل الإسلام التعامل بالربا فلما حرمه الله انتهوا عنه بكل صوره ومن ثم: فإن المسلمين إذا كانوا في مجتمع إسلامي أو ما سماه الفقهاء المسلمون دار الإسلام وجب عليهم اتباع أحكام القرآن الذي رسم طريقا واحدا للتعاون هو التعاون على البر والتقوى ومقتضاه أن نبتعد في كل صورة للتعاون عما حرم الله سبحانه أما المسلم الذي يقيم في بلد غير إسلامي فهو في حال ضرورة إذا أضطر للتعامل بغير ما يقضى به الإسلام مع المؤسسات والمنظمات الإسلامية ينبغي البحث عن رفعة الإنسان عن طريق التعاون عموما واتحاد الضمان الخاص هذه حقيقة: لأن الإسلام جاء بالأحكام التي ترفع الإنسان ماديا وأدبيا فهو قد نظم الحياة الشخصية للمسلم فرتب سلوكه مع الله بالعبادات ورتب سلوكه مع نفسه بإرشاده إلى الطرق التي يتغلب بها على مشقات الحياة وتقوية عزيمته على مواجهة الصعاب كما رتب سلوكه مع الناس في المجتمع الذي يعايشه بأن مواجهة الطرق الصحيحة للتعامل المالي والأخلاقي بما يؤدي إلى ترابط وتكافل أفراد المجتمع الإسلامي خاصة والإنساني عامة ووضع ضوابط للحلال المباح من المعاملات ونهى نهيا باتا عن المحرمات وبينها أوضح بيان ما هي الطريقة المثلى - حسب تعاليم الإسلام لتنظيم اتحادات الضمان بين المسلمين؟ إن معيار التعاون على البر والتقوى بين المسلمين هو ما أمر به القرآن الكريم في قول الله سبحانه:
(سورة:5, آية:2)
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
واتحاد الضمان - المسئول عنه - بمقاصده وأهدافه الواردة بالسؤال قد يدخل في هذا النطاق إذا لم يقترض فائدة من المقترضين منه لأن الفائدة المحددة قدرا وزمنا من باب الربا المحرم في الإسلام كما تقدم ويمكن أن نسميه اتحاد التكافل الإسلامي وأن يدفع المقترض مبلغا ثابتا في نظير أجور العاملين على إدارة أموال الاتحاد كما يمكن استثمار فائض هذه الأموال في المشاريع الإنتاجية كالزراعة والصناعة ويحرم إقراضها بفائدة ربوية في الإسلام

اسم الکتاب : الفتاوى الاقتصادية المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 1402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست