responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 279
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وأبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تقي الدين السبكي فِي كِتَابِهِ - طَرِيقِ الْمَعْدِلَةِ فِي قَتْلِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ: قَوْلُ الْأَصْحَابِ إِنَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَا وَارِثَ لَهُ فَلِلسُّلْطَانِ الْخِيَرَةُ: بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ يَعْفُوَ عَنِ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا، كَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ عَلَى الْغَالِبِ، وَقَدْ يَظْهَرُ لِلْإِمَامِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ مَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ عَنْهُ مَجَّانًا إِذَا كَانَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ، وَفِيهِ صَلَاحٌ وَخَيْرٌ وَنَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ فَرَطَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْبَادِرَةُ فَقُتِلَ بِهَا وَظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ وَحَسُنَتْ طَرِيقَتُهُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفُوُّ عَنْهُ بِعِيدٌ، لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إِلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ.
فَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ لَا يَخْتَارَ إِلَّا مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ بِمُجَرَّدِ مَا يُقَالُ لَهُ: إِنَّ هَذَا جَائِزٌ فَجَوَازُهُ مَنُوطٌ بِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِإِقَامَةِ الدِّينِ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ وَلَا لِغَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا، وَحَيْثُ شَكَّ فِي ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ الْكَفُّ عَنِ الدَّمِ، وَتَبْقِيَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةٌ إِلَّا بِحَقِّهَا، فَمَتَى قَتَلَهَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ أَخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَنْ قَتَلَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، انْتَهَى كَلَامُ السبكي.
فَإِذَا جَوَّزَ السبكي الْعَفْوَ عَمَّنْ فِيهِ صَلَاحٌ وَخَيْرٌ وَنَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَتْلِ قِصَاصًا مَجَّانًا، بِلَا دِيَةٍ، فَمِنْ تَعْزِيرِ زَلَّةٍ فَرَطَتْ مِنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ.
عَوْدٌ لِبَدْءٍ: قَالَ ابن السبكي فِي كِتَابِهِ التَّرْشِيحِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَعْضِ نُصُوصِهِ: وَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً لَهَا شَرَفٌ، فَكُلِّمَ فِيهَا فَقَالَ: " لَوْ سَرَقَتْ فُلَانَةُ - لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ - لَقَطَعْتُ يَدَهَا " قَالَ ابن السبكي: فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ " فُلَانَةُ "، وَلَمْ يَبُحْ بِاسْمِ فاطمة؛ تَأَدُّبًا مَعَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ يَذْكُرَهَا فِي هَذَا الْمَعْرِضِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ عِنْدَهُ فِي الشَّرْعِ سَوَاءٌ انْتَهَى.
فَهَذَا مِنْ صُنْعِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ مِنْ تَقْرِيرِ السبكي أَصْلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَقْلٌ مِنْ حَيْثُ مَذْهَبِنَا، فَقَوْلُهُ: تَأَدُّبًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضِدَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ قَبِيحٌ، هَذَا مَعَ كَوْنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّمَا سَاقَ الْحَدِيثَ مَسَاقَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَسَاقَ تَقْرِيرِ الْعَلَمِ فِي التَّصْنِيفِ الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إِلَّا أَهْلُهُ، بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَحَلِّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، وَأَمْرٌ آخَرُ: أَنَّ النَّقْصَ الْمَذْكُورَ وَاقِعٌ فِي حَيِّزِ " لَوْ "، مَنْفِيٌّ عَنْهَا لَا مُثْبِتٌ لَهَا، وَإِنَّمَا ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى وُقُوعِهِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا قَرَّرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا؟

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 279
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست