responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 276
بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي تَخْطِئَةِ الْمُسْتَدِلِّ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ وَوُجُوبِ تَأْدِيبِهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ أُنْكِرَ عَلَى ذِكْرِ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْإِفْتَاءِ وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ، فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ تَارَةً يَكُونُ فِي مَقَامِ التَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَتَقْرِيرِ الْعِلْمِ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ، وَهَذَا لَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْخِصَامِ وَالتَّبَرِّي مِنْ مَعَرَّةٍ أَوْ نَقْصٍ يُنْسَبُ إِلَيْهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، وَهَذَا مَحَلُّ الْإِنْكَارِ وَالتَّأْدِيبِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الْعَوَامِّ وَفِي الْأَسْوَاقِ، وَفِي التَّعَارُضِ بِالسَّبِّ وَالْقَذْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، وَلِكُلِّ مَحَلٍّ حُكْمٌ يُنَاسِبُهُ.
وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عَنْ كَاتِبِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ مَا قَصَدَ بِمَا ذَكَرَهُ إِلَّا الِاحْتِجَاجَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُصُهُ كُفْرُ أَبِيهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ عمر، وَصَرَفَهُ عَنْ عَمَلِهِ، أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَمُ الدِّينِ بْنُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ سراج الدين البلقيني الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِجَازَةً عَنْ أَبِيهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الشَّيْخَ تقي الدين السبكي أَخْبَرَهُ عَنِ الْحَافِظِ شرف الدين الدمياطي، أَنَا الْحَافِظُ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ، أَنَا أَبُو المكارم اللبان، أَنَا أبو علي الحداد، أَنَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثَنَا أحمد بن الحسن الحذاء، ثَنَا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثَنَا أحمد بن عبد الله بن يونس قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا يَذْكُرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَى بِكَاتِبٍ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَكَانَ أَبُوهُ كَافِرًا، فَقَالَ عمر لِلَّذِي جَاءَ بِهِ: لَوْ كُنْتَ جِئْتَ بِهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ الْكَاتِبُ: مَا ضَرَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرُ أَبِيهِ، فَقَالَ عمر: وَقَدْ جَعَلْتُهُ مَثَلًا لَا تَخُطُّ بَيْنَ يَدَيَّ بِقَلَمٍ أَبَدًا - هَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الْحِلْيَةِ، فَالْكَاتِبُ قَصَدَ بِهَذَا الْكَلَامِ الِاحْتِجَاجَ، وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَى نَفْيِ النَّقْصِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ عمر فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ: إِنَّهُ جَعَلَهُ مَثَلًا، فَعَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَارِبِ الْمَثَلِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ يُرَادُ لِلِاسْتِشْهَادِ، كَمَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ كَذَلِكَ، فَبِهَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى ضَارِبِ الْمَثَلِ وَعَكْسُهُ، وَمَنْ لَهُ إِلْمَامٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَسْتَنْكِرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ ضَرْبَ الْمَثَلِ عَلَى الْحُجَّةِ؛ وَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا الْقَاضِي عياض، حَيْثُ قَالَ: عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ.
وَمِمَّا أَطْلَقَ فِيهِ الْأَوَّلُونَ: ضَرْبَ الْمَثَلِ عَلَى الْحُجَّةِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أبي سلمة أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا حَدَّثْتُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَكَانَ عَارَضَهُ بِقِيَاسٍ مِنَ الرَّأْيِ، كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 276
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست