اسم الکتاب : نظام الإثبات في الفقه الإسلامي المؤلف : عوض عبد الله أبو بكر الجزء : 58 صفحة : 149
فإلى أى هذه المذاهب يتجه الفقه الإسلامي في منهجه للإثبات؟
يميل بعض الفقهاء وأبرزهم ابن القيم الجوزية إلى مذهب الإثبات المطلق الذي يعطي القاضي الحرية المطلقة في تكوين عقيدته من أي دليل يعرض عليه وولا يتقيد بطريق إثبات معين , ويتضح ميل ابن القيم إلى مذهب إطلاق الإثبات مما يأتي:
أولاً: تفسيره للبينة حيث يجعلها كل ما يبين من الحق , ولا يقصرها على شهادة الشهود كما قال غيره من الفقهاء. فيقول: " فالبينة اسم لكل ما يبين من الحق , ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه " [1].
ثانياً: إجازته للقاضي أن يتوصل للحق بالتحايل على الخصم استدلالاً بما كان يفعله إياس بن معاوية وشريح [2].
ثالثاً: إجازته للقاضي أن يقضي بالفراسة بالرغم من استتار خطوات الاستنتاج فيها , وأن الدليل المأخوذ منها غير معروف لغير القاضي. وستعرض رأي ابن القيم في الحكم بالفراسة بشىء من التفصيل إن شاء الله.
رابعاً: يقول في اعلام الموقعين: " فإذا ظهرت أمارات الحق , وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان , فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره. والله تعالى لم يحضر طرق العدل وأدلته وأمارته في نوع واحد وأبطل غيره. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها , وانما المراد غاياتها التي هي المقاصد "[3].
فأنت ترى صراحة نصه على عدم التقيد بطريق محدد للإثبات , فأي سبيل يبين به وجه الحق يكون دليلاً معتبراً مادام قد كشف للقاضي وجه الدعوى.
وبناء على هذا القول الذي يقضي بعدم حصر أدلة الثبوت عنده , فقد ذكر في كتابه الطرق الحكيمة كثيرا من طرق القضاء التي يخالفه فيها كثير من الفقهاء كالقرعة , وشهادة الكفار , والفراسة , وغيرها [1] الطرق الحكيمة ص 29 ط مطبعة مصر سنة 1960 م. [2] إياس بن معاوية بن قرة المزني، قاضي البصرة ومضرب المثل في الفطنة والذكاء والفراسة توفي سنة 122 هـ. الاعلام ج 1 ص 376 ط مصورة بيروت. وشريح بن الحارث الكندي من أشهر القضاء في صدر الإسلام , ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية. توفي سنة 78 هـ. الاعلام ج 3 ص 236. [3] اعلام الموقعين ج 4 ص 373 ط دار الجيل بيروت.
اسم الکتاب : نظام الإثبات في الفقه الإسلامي المؤلف : عوض عبد الله أبو بكر الجزء : 58 صفحة : 149