responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 69
حِسِّيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا، لَكِنَّ فِي الْحِسِّيِّ تُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْمَحَلِّيَّةُ، وَفِي الشَّرْعِيِّ تُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ شَرْعًا، وَكَذَا الْمَحَلِّيَّةُ، وَأَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ تَتَنَوَّعُ إلَى أَهْلِيَّةِ تَحَمُّلِهَا وَأَهْلِيَّةِ أَدَائِهَا، فَأَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ تَثْبُتُ بِالْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، فَإِنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ مَنْ يَكُونُ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ تَثْبُتُ بِالْعِلْمِ بِمَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى مَنْ يَتَحَمَّلُهُ وَلِمَنْ يَتَحَمَّلُهُ، وَالْعِلْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْحَوَاسُّ كَمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ شَرَطَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ فِي جَوَازِ تَحَمُّلِهَا مَعْرِفَةَ ثَمَانِيَةٍ: مَعْرِفَةُ الْمُقِرِّ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ مَعْرِفَةُ مَنْ يَتَحَمَّلُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ.
وَمَعْرِفَةُ عَقْلِهِ وَرُشْدِهِ وَكَوْنِهِ طَائِعًا فِي إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ.
وَمَعْرِفَةُ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِيَصِيرَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَعْلُومًا وَمَنْ يَجِبُ لَهُ لِيَصِيرَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَعْلُومًا.
وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْكِتَابِ يَشْتَرِطُ قِرَاءَةَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْجَمِيًّا يُقْرَأُ لَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُ الْإِقْرَارِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الْكَافِرُ إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَالْإِسْلَامَ شَرْطُ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ التَّحَمُّلِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ تَثْبُتُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَبِأُمُورٍ أُخَرَ، وَهُوَ النُّطْقُ وَالْحِفْظُ وَالْيَقَظَةُ؛ لِأَنَّ بِالْحِفْظِ يَبْقَى عِنْدَهُ مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى حِينِ أَدَائِهَا، وَبِالنُّطْقِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَبِالْيَقَظَةِ لَا يَغْفُلُ عَنْ أَدَاءِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ.
وَأَمَّا شَرْطُ الزَّائِدِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلٍّ هُوَ أَلْيَقُ بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَطَرِيقُ التَّحَمُّلِ هُوَ أَنْ يُدْعَى لِيَشْهَدَ وَيُسْتَحْفَظَ الشَّهَادَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ تَحَمَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ حَيْثُ يُفْتَقَرُ إلَى ذَلِكَ وَيُخْشَى تَلَفُ الْحَقِّ بِعَدَمِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ يَلْحَقُهُ الْمَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَالْعِبَادَةِ، وَمَتَى لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَا يَلْحَقُهُ الْمَأْثَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :
ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: رَجُلٌ لَهُ شُهُودٌ كَثِيرَةٌ، فَدَعَا بَعْضَهُمْ؛ لِيُقِيمَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَوْ كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَكِنَّ هَذَا الشَّاهِدَ مِمَّنْ تَكُونُ شَهَادَتُهُ أَسْرَعَ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْأَدَاءِ لِمَا قُلْنَا.

(مَسْأَلَةٌ) :
ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَقُولَانِ: لَا تَشْهَدْ عَلَيْنَا بِمَا تَسْمَعُ مِنَّا، وَلَا تَشْهَدْ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِشَيْءٍ يَدُورُ بَيْنَنَا. مَعَ هَذَا لَوْ دَخَلَ وَسَمِعَ مِنْ أَحَدِهِمَا إقْرَارَ الْآخَرِ وَطَلَبَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْهُ الشَّهَادَةَ.
مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ عَنْ تَحَمُّلِ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ عُلَمَائِنَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ، فَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَارَ كَاتِمًا لِلشَّهَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُمَ لِلشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا الْأَدَاءُ وَهُوَ أَنْ يُدْعَى لِيَشْهَدَ بِمَا عَلِمَهُ وَاسْتَحْفَظَ إيَّاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] ؛ وقَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]

وَأَمَّا حِكْمَتُهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا صِيَانَةُ الْحُقُوقِ.
وَأَمَّا مَا تَجِبُ فِيهِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلَيْنِ.
الْأَوَّلُ: فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فِي الْحُقُوقِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَيَجْرِي مَجْرَى الْمُبَايَعَةِ الْحُقُوقُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَلَى النَّدْبِ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ وَذِكْرِ مَوَانِعِ الْقَبُولِ]
، [وَفِيهِ فَصْلَانِ] الْأَوَّلُ: فِي فَضْلِ الشَّاهِدِ وَصِفَتِهِ، وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِ الشَّهَادَةِ وَرَفَعَهَا وَنَسَبَهَا إلَى نَفْسِهِ وَشَرَّفَ بِهَا مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَفَاضِلَ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 69
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست