responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 49
كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ مُوَافَقَةً لَهُ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِهِ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يُحْمَلُ حُكْمُ الْقَاضِي إلَّا عَلَى الْبَيَانِ الْوَاضِحِ، وَمَتَى حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي مُوجَبِ اللَّفْظِ مِثْلِ الْهِبَةِ هَلْ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ مِنْهَا يَكْفِي فِي اللُّزُومِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ أَوْ لَا يَكْفِي حَتَّى يَكُونَ الْوَاهِبُ صَحِيحًا جَائِزًا، وَمِثْلِ التَّبَرُّعِ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ هَلْ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: حَكَمْت بِمُوجَبِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْحُكْمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُرْجَعُ إلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَيُحْتَمَلُ حُكْمُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُبَيِّنُ مَقْصُودَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَكَلَامُنَا إذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ وَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إقْرَارٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَعَلَى الْمُقِرِّ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُهُ لِاقْتِضَاءِ مَذْهَبِهِ بُطْلَانَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ.
وَمِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ أَنْ يُحْكَمَ بِالثُّبُوتِ وَحَقِيقَتُهُ حُكْمٌ بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَسَمَاعِهَا وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِيهَا وَجَوَازُ التَّنْفِيذِ فِي الْبَلَدِ، فَإِنَّ فِي تَنْفِيذِ الثُّبُوتِ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِهِ بِحُكْمٍ خِلَافًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَا جَازَ التَّنْفِيذُ، فَهُمَا فَائِدَتَانِ.
قَالَ: وَقَدْ تَوَسَّعَ بَعْضُ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَعَمَدَ إلَى أَوْقَافٍ وَقَفَهَا وَاقِفُونَ وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِيهِمْ يَصْرِفُونَهَا عَلَى حُكْمِ الْوَقْفِ، ثُمَّ بِأَيْدِي نُظَّارِهَا كَذَلِكَ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَأَبْطَلَهَا وَرَدَّهَا إلَى مِلْكِ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الْيَدِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى حُكْمِ الْوَقْفِ وَلَا إلَى سُكُوتِ الْوَارِثِينَ وَوَارِثِيهِمْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْجَوَازِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَامْتِنَاعُ الدَّعْوَى مَعْرُوفٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحْضَرَ هَاهُنَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْقَافُ قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ فَتَعَلَّقَ فِي إبْطَالِهَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَرُبَّمَا اُقْتُرِنَ بِذَلِكَ الثُّبُوتِ حُكْمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ فَتَعَلَّقَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِبْطَالِ إلَّا حُكْمُ حَاكِمٍ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ.
وَأَنَا أَذْكُرَ هَاهُنَا قَاعِدَةً فَأَقُولُ: الْقَاضِي الْمُعْتَبَرُ حُكْمُهُ تَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى الثُّبُوتِ وَتَارَةً يُضِيفُ إلَيْهِ حُكْمًا أَوْ يَذْكُرُ الْحُكْمَ مُجَرَّدًا، وَمِنْ لَوَازِمِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَهُ ثُبُوتٌ.
فَالْحَالَةُ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يَقْتَصِرَ فَتَارَةً يُضِيفُ الثُّبُوتَ إلَى السَّبَبِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ الْحُكْمُ، وَتَارَةً يُضِيفُ الثُّبُوتَ إلَى الْحُكْمِ نَفْسِهِ فَهُمَا قِسْمَانِ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُضِيفَهُ إلَى السَّبَبِ كَإِثْبَاتِ جَرَيَانِ عَقْدِ الْوَقْفِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ النِّكَاحِ وَنَحْوِهَا هَذَا غَالِبُ مَا يَقَعُ مِنْ الثُّبُوتِ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي قِيَامُ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الْعُقُودِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي الْإِقْرَارُ بِهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مَثَلًا، فَالْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ لِلْحُكْمِ بَلْ لِإِثْبَاتِهِ يَعْنِي: أَنَّهُمَا سَبَبَانِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لَا لِلْحُكْمِ. فَحَقِيقَةُ ثُبُوتِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ تَزْكِيَتُهَا وَقَبُولُهَا، وَقَدْ تَرَدَّدَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ أَوْ لَيْسَ بِحُكْمٍ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ، وَلَا يُتَّجَهُ فِي مَعْنَى كَوْنِهِ حُكْمًا إلَّا أَنَّهُ حُكْمٌ بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَقَبُولِهَا وَجَرَيَانِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَأَمَّا صِحَّتُهُ أَوْ الْإِلْزَامُ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ الْإِلْزَامُ.
وَذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ وَقَالَ: هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الثُّبُوتَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُثْبِتَ بَاطِلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يُثْبِتُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي كَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا، وَقَدْ يُثْبِتُ الشَّيْءَ الْبَاطِلَ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهُ قَدْ يُثْبِتُ مَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ لِيَنْظُرَ غَيْرُهُ فِيهِ، أَمَّا إثْبَاتُ مَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ لَا لِقَصْدِ الْإِبْطَالِ وَلَا لِيَنْظُرَ غَيْرُهُ فِيهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ حُكْمًا بِالثَّابِتِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا بِثُبُوتِهِ: يَعْنِي بِجَرَيَانِ الْعَقْدِ وَصُدُورِهِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ.
وَقَدْ يَقَعُ فِي أَلْفَاظِ الْحُكَّامِ لِيُسَجِّلْ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمُ بِمَا قَامَتْ بِهِ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست