responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 47
فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ دَوَامُ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ الْعَوْدِ، فَالْحُكْمُ بِالْفَسْخِ لِأَجْلِ الْعَوْدِ الْمَذْكُورِ مُنَافٍ لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -.
فَهَذِهِ الْفُرُوقُ التِّسْعَةُ مَعَ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعَاشِرُ يَحْصُلُ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.

[فَصْلٌ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ]
(فَصْلٌ) :
فِي بَيَانِ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ
وَذَلِكَ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا صَدَرَ فِي مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ الَّتِي يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِيهَا، وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ، إمَّا عَامًّا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ، أَوْ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَكَمَا لَا يُرَدُّ النَّقْضُ عَلَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ لَا يُرَدُّ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهَا إذَا أَجَزْنَاهُ.
فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ قَدْ وَقَعَ مُخْتَلًّا، وَالْحُكْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ غَيْرُ الْحُكْمِ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَيَسُوغُ لِمَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهُ إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ قَبْلَهُ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الصَّادِرِ بِالْمُوجَبِ وَكَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى تَسْوِيغَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُنْقَضُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي كِتَابُ حُكْمٍ يَسُوغُ تَنْفِيذُهُ عِنْدَهُ نَفَّذَهُ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ فِيهِ أَوْ بَعُدَتْ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجَبِ، بِخِلَافِ كِتَابِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَامِعِ الْبَيِّنَةِ بِحَيْثُ تُقْبَلُ فِي مِثْلِهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَسَافَةُ السَّفَرِ، كَذَا قَيَّدَهُ الْكَرْخِيُّ فِي التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَ إمْضَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَعْنِي: اشْتِرَاطَ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَمِنْهَا: تَغْرِيمُ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ بِالْمُوجَبِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا التَّغْرِيمُ.
(تَنْبِيهٌ) :
إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى لِوُجُودِ الْإِلْزَامِ فِيهِ وَتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ.
(فَصْلٌ) :
قَدْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ: مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ وَذَكَرُوا الْمَصْرِفَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.
(تَنْبِيهٌ) :
قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ وَاعْلَمْ: أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، وَأَنَّهُ الَّذِي جَرَى بِهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِخِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا فِي الْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِأَيْدِي جَمَاعَةٍ أَرْضٌ أَوْ غَيْرُهَا فَجَاءُوا إلَى الْحَاكِمِ وَطَلَبُوا مِنْهُ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يُثْبِتُوا أَنَّهَا مِلْكُهُمْ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يُجِيبَهُمْ وَيَقُولَ لَهُمْ: إنْ شِئْتُمْ فَاقْسِمُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ أَوْ يَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ، وَإِنْ شِئْتُمْ قَسْمِي فَأَقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أُصُولِ حُقُوقِكُمْ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنِّي إنْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجِئْتُمْ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنِّي قَسَمْت بَيْنَكُمْ هَذِهِ الدَّارَ إلَى قَاضٍ غَيْرِي كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لَأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ حُكْمًا مِنِّي لَكُمْ وَلَعَلَّهَا لِغَيْرِكُمْ لَيْسَ لَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَا يَقْسِمُ الْحَاكِمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَ: وَقِيلَ يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَمَ عَلَى إقْرَارِهِمْ.
(تَنْبِيهٌ) :
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْمُوجَبِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الشُّرُوطَ الْمَطْلُوبَةَ فِي الْحُكْمِ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 47
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست