responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 194
بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ دَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي الْقَدَحِ وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ، وَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً.
وَقِيلَ يُسْتَغْفَلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ عَلَى الْأَرْضِ وَرَاءَهُ.
وَأَمَّا دَاخِلَةُ إزَارِهِ فَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُفْضِي مِنْ مِئْزَرِهِ إلَى جِلْدِهِ.
قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوُضُوءِ قُضِيَ عَلَيْهِ إذَا خُشِيَ عَلَى الْمَعْيُونِ الْهَلَاكُ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ يُبْرِئُ عَادَةً وَلَمْ يَزُلْ الْهَلَاكُ عَنْهُ إلَّا بِهَذَا الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ النَّفْسِ كَبَذْلِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ، وَإِنْ أَبَاهُ أُمِرَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْأَدَبِ الْوَجِيعِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ بِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، فَإِنَّ الشِّفَاءَ مَنُوطٌ بِفِعْلِهِ، كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ النَّازِلَ كَانَ بِسَبَبِهِ فَلَا يَنْدَفِعُ مَا نَزَلَ إلَّا بِفِعْلِهِ.
(فَصْلٌ) :
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا، أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ النَّاظِرِ مِنْ أَمْرٍ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفَ أَوْ يَتَغَيَّرَ، إلَّا أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَافُ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكْ وَقَعَ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَلَافَى ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهِمَا حَرَكَةٌ وَلَا سَكْنَةٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَلَا لَفْظَةٌ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - خَالِقُهَا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مُقَدِّرُهَا لَهُ، وَهُوَ - تَعَالَى - رَتَّبَ أَفْعَالَهُ وَرَتَّبَ أَسْبَابَهَا وَرَتَّبَ الْعَوَائِدَ عَلَى أَسْبَابٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ الْعَيْنُ، فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا رَأَتْ صُورَةً تَسْتَحْسِنُهَا فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ شَيْئًا، وَإِنْ نَطَقَتْ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْجَمَالِ فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ - تَعَالَى - فِي بَدَنِ الْمَعِينِ الْمَرَضَ وَالْهَلَاكَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَلِذَلِكَ نَهَى الْعَائِنَ عَنْ الْقَوْلِ، وَالْبَارِئُ - تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَةِ الْوُجُودِ بِذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ، وَالْبَارِئُ - سُبْحَانَهُ - يَرُدُّ قَضَاءَهُ بِقَضَائِهِ.
وَمَنْ حِكْمَتِهِ أَنَّهُ جَعَلَ وُضُوءَ الْعَائِنِ يُسْقِطُ أَثَرَ عَيْنِهِ.
وَذَلِكَ بِخَاصَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا خَالِقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ.
وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَ قَوْلِ السَّاحِرِ وَفِعْلِهِ فِي جِسْمِ الْمَسْحُورِ وَضَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْأَرْضِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَمِنْ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفَضْلِهَا وَحِكْمَتِهَا الْبَالِغَةِ مَا وَضَعَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الرُّقَى فِي إذْهَابِ الْأَمْرَاضِ مِنْ الْأَبْدَانِ بِهَا وَإِبْطَالِ سِحْرِ السَّاحِرِ وَرَدِّ عَيْنِ الْعَائِنِ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ بِهَا وَدَفْعِ كُلِّ ضَرَرٍ بِإِذْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْبَارِئُ - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي خَلَقَ الشِّفَاءَ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ كَمَا خَلَقَ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّاءِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ وَلَا حَظَّ لِلدَّوَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ فِي عَقْلِ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا فَاعِلًا، وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يَصْرِفُ الْأَفْعَالَ الْغَرِيبَةَ دَاخِلَ الْبَدَنِ بِالْأَدْوِيَةِ، كَذَلِكَ يَصْرِفُهَا خَارِجَ الْبَدَنِ بِالرُّقَى وَالتَّعْوِيذِ.
وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ، وَالْمُشَاهَدَةُ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ النَّظَرِيِّ.

[فَصْلٌ وَمِنْ الزَّوَاجِرِ الشَّرْعِيَّةِ التَّعْزِيرُ وَالْعُقُوبَةُ بِالْحَبْسِ]
(فَصْلٌ) :
وَالتَّعْزِيرُ تَأْدِيبُ اسْتِصْلَاحٍ وَزَجْرُهُ عَنْ ذُنُوبٍ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا حُدُودٌ وَلَا كَفَّارَاتٌ وَالْأَصْلُ فِي التَّعْزِيرِ مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَهَذَا دَلِيلُ التَّعْزِيرِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالْقَوْلِ فَدَلِيلُهُ مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ بِإِسْنَادِهِ: ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ، مَا خَشِيتَ اللَّهَ، مَا اسْتَحَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " وَهَذَا التَّبْكِيتُ مِنْ التَّعْزِيرِ بِالْقَوْلِ.

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست