responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 19
وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى حَالِ تَشْوِيشٍ مِنْ جُوعٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ هَمٍّ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ يَسْرُعُ مَعَ الْجُوعِ، وَالْفَهْمُ يَنْطَفِئُ مَعَ الشِّبَعِ، وَالْقَلْبُ يَشْتَغِلُ مَعَ الْهَمِّ، فَمَهْمَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَجْلِسْ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ عَرَضَ فِي الْمَجْلِسِ انْصَرَفَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِعَ الْقِيَامَ تَشَاغُلًا بِمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤْثِرَ مِنْ حَوَائِجِهِ، فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ رَأْيَهُ وَيُخِلُّ فَهْمَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ مُتَرَبِّعًا فِي مَجْلِسِ الْأَحْكَامِ، وَلَا بَأْسَ مُتَّكِئًا؛ لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ يُزِيدُ فِي الْفَهْمِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَتَضَاحَكُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَلْزَمُ الْعُبُوسَ مِنْ غَيْرِ غَضَبٍ، وَيَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَتَشَاغَلُ بِالْحَدِيثِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ اجْتِمَاعَ نَفْسِهِ وَإِذَا وَجَدَ الْفَتْرَةَ فَلْيَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَدْخُلْ بَيْتَهُ أَوْ يَدْفَعْ النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُكْثِرُ مِنْ الْقَضَاءِ جِدًّا حَتَّى يَأْخُذَهُ النُّعَاسُ وَالضَّجَرُ، فَإِنَّهُ إذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ أَحْدَثَ مَا لَا يَصْلُحُ، وَيَجْلِسُ طَرَفَيْ النَّهَارِ مَا اسْتَطَاعَ.

[فَصْل فِي سِيرَة الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ]
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَيَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ أُمُورٌ قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ: لَا يَقْضِي الْقَاضِي حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنْ قَدْ فَهِمَ فَإِمَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ فَهِمَ وَيَخَافَ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ فَهِمَ لِمَا يَجِدُ مِنْ الْحَيْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَجِدُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَضِيَّةَ إذَا كَانَتْ مُشْكِلَةً فَيَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَتِهَا فِي الْبَاطِنِ وَيَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ.
وَمِنْهَا: لَا يُفْتِي الْقَاضِي فِي مَسَائِلِ الْخُصُومَاتِ لِأَهْلِ بَلَدِهِ لِئَلَّا يَحْتَرِزَ الْخَصْمُ بِبَاطِلٍ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَقْضِي الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَشُورَتِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِنَبِيِّهِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنِيًا عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ يَخَافَ الْمَضَرَّةَ فِي جُلُوسِهِمْ وَيَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِهِمْ وَبِالْحَذَرِ مِنْهُمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي فَهْمِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَجْلِسُوا إلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ يُشْغِلُهُ عَنْ النَّظَرِ كَانُوا أَهْلَ فِقْهٍ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَلَكِنْ إذَا ارْتَفَعَ عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَاوَرَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا أُشْكِلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرٌ تَرَكَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِالصُّلْحِ. وَقَالُوا: قَدْ يُشْكَلُ عَلَى الْقَاضِي كَلَامُ الْخَصْمَيْنِ، وَهَذَا مَانِعٌ لَهُ مِنْ التَّصَوُّرِ فَيَأْمُرُهُمَا بِالْإِعَادَةِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُمَا، وَقَدْ يَفْهَمُ عَنْهُمَا وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْحُكْمِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: " وَإِذَا أُشْكِلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرٌ تَرَكَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحُكْمِ بِاتِّفَاقٍ "، ثُمَّ لِلْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنْ يُرْشِدَهُمَا لِلصُّلْحِ.
قَالُوا: وَالْأَقْرَبُ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ غَيْرَهُ صَرَفَهُمَا إلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُشْكَلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ غَيْرُهُ أَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا الصُّلْحُ.
وَإِذَا أُشْكِلَ عَلَى الْقَاضِي وَجْهُ الْحَقِّ أَمَرَهُمْ بِالصُّلْحِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الصُّلْحِ وَلْيَقْطَعْ بِهِ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ بِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ أَوْ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ أَقَامَهُمَا وَأَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ.
وَقَدْ أَقَامَ بَعْضُ قُضَاةِ الْعَدْلِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست