responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 181
الْقِصَاصُ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] الْآيَةَ.
ثُمَّ الْقَتْلُ يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ، هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا تَقْسِيمُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، أَمَّا فِي الْأَصْلِ قَسَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَتْلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ.
ثُمَّ إنَّ الْقَتْلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَصْدُرَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ صَدَرَ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ قَصْدٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ صَدَرَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ أَوْ الضَّرْبِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ هُوَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِالسَّبَبِ، وَبِهَذَا الِانْحِصَارِ يُعْرَفُ أَيْضًا تَفْسِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: وَجْهُ الِانْحِصَارِ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ.
(تَنْبِيهٌ) :
الْعَمْدُ هُوَ أَنْ يُتَعَمَّدَ ضَرْبُهُ بِالسِّلَاحِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِمَّا لَهُ حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَجْرَحُ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْقَصْدَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الضَّرْبَ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ قَاطِعَةٍ قَاتِلَةٍ دَلِيلُ عَمْدِ الْقَتْلِ فَيُقَامُ مَقَامَ الْعَمْدِ.
ثُمَّ آلَةُ الْقَتْلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: آلَةُ السِّلَاحِ، وَغَيْرُ السِّلَاحِ.
أَمَّا السِّلَاحُ فَكُلُّ آلَةٍ هِيَ جَارِحَةٌ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَنَحْوِهِ فَقَتَلَ بِهِ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ بِحَدِيدٍ لَا حِدَّةَ لَهُ نَحْوَ أَنْ يَضْرِبَ بِعَمُودٍ أَوْ صَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ.
وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ: لَا يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِصَنْجَةِ رَصَاصٍ لَا يَكُونُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ اسْتِعْمَالَ الْحَدِيدِ وَهُوَ السِّلَاحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَمُودِ الْمِيزَانِ فَقُتِلَ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَصَا الصَّغِيرَةِ، فَإِنْ كَانَ عَصًا عَظِيمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ.
فُرُوعٌ: رَجُلٌ أَحْمَى تَنُّورًا وَأَلْقَى فِيهِ إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ عَنْهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ.
وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُلْبَثُ مَعَهُ عَادَةً كَالسِّلَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُجْعَلُ النَّارُ كَالسِّلَاحِ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ، حَتَّى لَوْ تَوَقَّدَتْ النَّارُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَانْقَطَعَ بِهَا الْعُرُوقُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ؟ قَالَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عِنْدَنَا يُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالنَّارِ.
وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ خِلَافًا لَهُمَا.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مُتَعَلِّقٌ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ قَاطِعَةٍ مُوجِبَةٍ مُسْرِعَةٍ فِي نَزْعِ الرُّوحِ أَمْ مُبْطِئَةٍ.
وَعِنْدَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَارِحَةً أَوْ لَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ غَرَّقَهُ بِالْمَاءِ، وَكَانَ الْمَاءُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْدُودٍ وَلَا مُثْقَلٍ، وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَمَاتَ يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الْإِلْقَاءَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْقَتْلَ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ أَوْ هُوَ مَشْدُودٌ بِمُثْقَلٍ لَا يُمَكِّنُهُ السِّبَاحَةَ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَطَأُ الْعَمْدِ، وَعِنْدَهُمْ عَمْدٌ مَحْضٌ.
وَلَوْ خَنَقَ رَجُلًا وَمَاتَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِآلَةٍ غَيْرِ جَارِحَةٍ وَقَاطِعَةٍ وَإِنَّهَا غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْقَتْلِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ التَّخْنِيقَ قَدْ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ فَيُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَالسَّاعِي فِي الْأَرْضِ بِفَسَادٍ يُقْتَلُ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ دَفْعًا لِشَرِّهِ؛ لِأَنَّ شَرَّهُ قَلَّمَا يَنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَعِنْدَهُمَا إذَا دَامَ عَلَى الْخَنْقِ حَتَّى مَاتَ يَجِبُ الْقِصَاصُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إذَا شَقَّ رَجُلٌ بَطْنَ رَجُلٍ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِسَيْفٍ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ بِالسَّيْفِ فَيُقْتَصُّ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ، وَعَلَى الَّذِي شَقَّ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّقُّ نَفَذَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَثُلُثَا الدِّيَةِ، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ شَقِّ الْبَطْنِ يَوْمًا

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست