responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 179
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ: يَعْنِي إذَا لَمْ يُقِرَّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ.
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ رَجُلًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ يَصْرِفُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لِتَكَرُّرِهِ مِنْهُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَضَ عَنْهُمْ بِالسِّجْنِ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ بِأَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ مَعَ تَسَاوِي حَالِهِ فِيهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْخُلَاصَةِ: أَنَّ الدُّعَّارَ يُحْبَسُونَ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالدَّعَارَةِ فَادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ لِاخْتِبَارِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ، وَهَذَا الْحَبْسُ خَارِجٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ فِي مِثْلِهِ: وَإِنْ خَوَّفَهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ حَتَّى يُقِرَّ فَلَيْسَ هَذَا بِإِكْرَاهٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَيْسَ فِي هَذَا وَقْتٌ وَلَكِنَّ مَا يَجِيءُ مِنْهُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَرُبَّ إنْسَانٍ يَغْتَمُّ بِحَبْسِ يَوْمٍ، وَالْآخَرُ لَا يَغْتَمُّ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ، فَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ كُلِّ قَاضٍ فِي زَمَانِهِ، فَيَنْظُرُ إنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِضَاهُ أَبْطَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، هَذَا فِي الْأَمْوَالِ.
وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ هَذَا الْمُتَّهَمِ وَحَبْسَهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَيَحْبِسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: أَتَى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ بِرَجُلٍ مُتَّهَمٍ خَبِيثٍ مَعْرُوفٍ بِالصِّبْيَانِ قَدْ لَصِقَ بِغُلَامٍ فِي الزِّحَامِ، فَبَعَثَ إلَى مَالِكٍ يَسْتَشِيرُهُ فِيهِ، فَأَمَرَ مَالِكٌ الْقَاضِي بِعُقُوبَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ سَوْطٍ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ الْحَبْسُ رَاجِعٌ إلَى الْوَالِي، وَذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ هُوَ ضَرْبُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَسْبَابِهِمَا وَتَحْقِيقِهِمَا فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْقَاضِي.
وَمَوْضُوعُ وِلَايَةِ الْوَالِي الْمَنْعُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَمْعُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ لَا يُتَمَكَّنُ إلَّا بِالْعُقُوبَةِ لِلْمُتَّهَمِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْإِجْرَامِ، بِخِلَافِ وُلَاةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهَا إيصَالُ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتُهَا، فَكُلُّ وَالٍ أُمِرَ بِفِعْلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ اهـ مِنْ كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ.
وَمِمَّا يُنَاسِبُ قَضِيَّةَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَاضِي الْمَدِينَةِ فِي قَضِيَّةِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورَةِ مَا وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي رَجُلٍ خَدَعَ امْرَأَةَ رَجُلٍ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ خَدَعَ صَبِيَّةً وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ يُحْبَسُ حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ، وَالسِّجْنُ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ الْعُقُوبَاتِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] أَنَّ السِّجْنَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْبَلِيغَةِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - قَرَنَهُ مَعَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّجْنَ الطَّوِيلَ عَذَابٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوِلَايَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ أَنَّ عُمُومَ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصَهَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَبَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَتَنَاوَلُ مَا يَتَنَاوَلُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ وَالتَّنْصِيصِ فِي الْوِلَايَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فِي قُطْرٍ آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي هَذِهِ السِّيَاسَاتِ قَضَاءً أَوْ عُرْفًا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَعَاطِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى شَرْعِيَّةٌ حُكْمُهَا الِاخْتِيَارُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ فَيَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُكُومَاتِ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ] : أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْوَالِي لَا يَعْرِفُهُ بِبِرٍّ وَلَا فُجُورٍ، فَإِذَا ادَّعَى

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 179
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست