responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 173
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ مَكَرَا بِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَيْسَ قَدْ قُلْتُمَا لَهَا: لَا تَدْفَعِي إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاذْهَبْ فَجِيءَ بِصَاحِبِكَ حَتَّى تَدْفَعَهَا إلَيْكُمَا، فَذَهَبَ، وَلَمْ يَرْجِعْ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ شَابًّا شَكَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَرًا فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا مَعَ أَبِي فِي سَفَرٍ فَعَادُوا وَلَمْ يَعُدْ أَبِي، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مَالِهِ فَقَالُوا مَا تَرَكَ شَيْئًا وَكَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَارْتَفَعَا إلَى شُرَيْحٍ فَاسْتَحْلَفَهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَدَعَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالشُّرْطَةِ فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُمَكِّنُوا بَعْضَهُمْ يَدْنُو مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يُمَكِّنُوا أَحَدًا يُكَلِّمُهُمْ، وَدَعَا كَاتِبَهُ وَدَعَا أَحَدَهُمْ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِ هَذَا الْفَتَى فِي أَيِّ يَوْمٍ خَرَجَ مَعَكُمْ؟ وَفِي أَيِّ مَنْزِلٍ نَزَلَ مَعَكُمْ؟ وَكَيْفَ كَانَ سَيْرُكُمْ وَبِأَيِّ عِلَّةٍ مَاتَ؟ وَكَيْفَ أُصِيبَ بِمَالِهِ، وَسَأَلَهُ عَمَّنْ غَسَّلَهُ وَدَفَنَهُ؟ وَمَنْ تَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ؟ وَأَيْنَ دُفِنَ؟ وَالْكَاتِبُ يَكْتُبُ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ مَعَهُ، وَالْمُتَّهَمُونَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ دَعَا آخَرَ بَعْدَ أَنْ غَيَّبَ الْأَوَّلَ عَنْ مَجْلِسِهِ فَسَأَلَ كَمَا سَأَلَ صَاحِبَهُ ثُمَّ غَيَّبَهُ، وَطَلَبَ الْآخَرَ وَسَأَلَ حَتَّى عَرَفَ مَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَوَجَدَ كُلَّ وَاحِدٍ يُخْبِرُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتُ غَدْرَكَ وَكَذِبَكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِكَ وَمَا يُنْجِيكَ مِنْ الْعُقُوبَةِ إلَّا الصِّدْقُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ إلَى السِّجْنِ وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ بِتَكْبِيرِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْقَوْمُ الْحَالَ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ دَعَا آخَرَ مِنْهُمْ فَهَدَّدَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِمَا صَنَعُوا ثُمَّ دَعَا الْجَمِيعَ فَأَقَرُّوا بِالْقِصَّةِ، وَاسْتَدْعَى الْأَوَّلَ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَقَرَّ أَصْحَابُكَ وَلَا يُنْجِيكَ سِوَى الصِّدْقِ، فَأَقَرَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَأَغْرَمَهُمْ الْمَالَ، وَقَادَ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ، وَهَذَا مِنْ السِّيَاسَةِ الْحَسَنَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ تَفْرِيقِ الشُّهُودِ إذَا اسْتَرَابَ الْقَاضِي مِنْهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى رَأْسِهِ فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّهُ أُخْرِسَ وَرُفِعَتْ الْقَضِيَّةُ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ وَيُنْخَسُ بِإِبْرَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ أَحْمَرَ فَهُوَ صَحِيحُ اللِّسَانِ، وَإِنْ خَرَجَ أَسْوَدَ فَهُوَ أَخْرَسُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي مَوْلُودٍ وُلِدَ وَلَهُ رَأْسَانِ وَصَدْرَانِ فِي حَقْوٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ لَهُ أَيُوَرَّثُ مِيرَاثَ اثْنَيْنِ أَوْ مِيرَاثَ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: يُتْرَكُ حَتَّى يَنَامَ ثُمَّ يُصَاحَ بِهِ، فَإِنْ انْتَبَهَا جَمِيعًا كَانَ لَهُ مِيرَاثُ وَاحِدٍ، وَإِنْ انْتَبَهَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ وَاحِدٌ كَانَ لَهُ مِيرَاثُ اثْنَيْنِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ سِيَاسَةِ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْقُضَاةِ وَاسْتِخْرَاجِهِمْ الْحُقُوقَ بِالطُّرُقِ السِّيَاسِيَّةِ فَيَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَابِ]
إذَا ثَبَتَ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَلْ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَتَعَاطَوْا الْحُكْمَ بِهَا فِيمَا رُفِعَ إلَيْهِمْ مِنْ اتِّهَامِ اللُّصُوصِ وَأَهْلِ الشَّرِّ وَالتَّعَدِّي، وَهَلْ لَهُمْ الْكَشْفُ عَنْ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَوْ قِيَامِ الْبَيِّنَاتِ، وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يَتَهَدَّدُوا الْخَصْمَ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ أَوْ ضَرْبُهُ أَوْ سُؤَالُهُ عَنْ أَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ؟ وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ مِنْ أَنَّ عُمُومَ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصَهَا وَمَا يَسْتَفِيدُهَا الْمُتَوَلِّي بِالْوِلَايَةِ يُتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، فَقَدْ يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ مَا يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ آخَرَ وَبِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَصَرِيحَةٌ بِأَنَّ لَهُمْ تَعَاطِيَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وِلَايَةِ الْكَشْفِ عَنْ الْمَظَالِمِ وَفِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ، وَكَلَامُهُ فِيهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي السِّيَاسَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا، وَسَأَذْكُرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ أُتْبِعُهُ نُصُوصَ أَهْلِ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 173
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست