responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 169
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْقَضَاءِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]
فِي الْقَضَاءِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ
اعْلَمْ أَنَّ السِّيَاسَةَ شَرْعٌ مُغَلَّظٌ.
وَالسِّيَاسَةُ نَوْعَانِ: سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرْعِيَّةُ تُحَرِّمُهَا.
وَسِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ وَتَدْفَعُ كَثِيرًا مِنْ الْمَظَالِمِ وَتَرْدَعُ أَهْلَ الْفَسَادِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْعِبَادِ.
فَالشَّرْعِيَّةُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَالِاعْتِمَادُ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ عَلَيْهَا، وَهِيَ بَابٌ وَاسِعٌ تَضِلُّ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَتَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَإِهْمَالُهُ يُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَيُعَطِّلُ الْحُدُودَ وَيُجْزِئُ أَهْلَ الْفَسَادِ وَيُعِينُ أَهْلَ الْعِنَادِ، وَالتَّوَسُّعُ فِيهِ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَظَالِمِ الشَّنِيعَةِ وَيُوجِبُ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَأَخْذَ الْأَمْوَالِ الْغَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلِهَذَا سَلَكَ فِيهِ طَائِفَةٌ مَسْلَكَ التَّفْرِيطِ الْمَذْمُومِ فَقَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ هَذَا الْبَابِ إلَّا فِيمَا قَلَّ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، فَسَدُّوا مِنْ طُرُقِ الْحَقِّ سُبُلًا وَاضِحَةً، وَعَدَلُوا إلَى طَرِيقٍ مِنْ الْعِنَادِ فَاضِحَةٍ؛ لِأَنَّ فِي إنْكَارِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ رَدًّا لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَغْلِيطًا لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
وَطَائِفَةٌ سَلَكَتْ فِي هَذَا الْبَابِ مَسْلَكَ الْإِفْرَاطِ فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجُوا عَنْ قَانُونِ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ السِّيَاسِيَّةِ، وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ سِيَاسَةِ الْحَقِّ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ جَهْلٌ وَغَلَطٌ فَاحِشٌ، فَقَدْ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» فَدَخَلَ فِي هَذَا جَمِيعُ مَصَالِحِ الْعِبَادِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّتِي» وَطَائِفَةٌ تَوَسَّطَتْ وَسَلَكَتْ فِيهِ مَسْلَكَ الْحَقِّ وَجَمَعُوا بَيْنَ السِّيَاسَةِ وَالشَّرْعِ فَقَمَعُوا الْبَاطِلَ وَدَحَضُوهُ وَنَصَبُوا الشَّرْعَ وَنَصَرُوهُ، وَاَللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَهَذَا الْقِسْمُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - شَرَعَ الْأَحْكَامَ، فَمِنْهَا مَا أَدْرَكْنَاهُ، وَمِنْهَا مَا خَفِيَ عَلَيْنَا رَعْيًا لِمَصَالِح الْعِبَادِ وَدَرْءًا لِمَفَاسِدِهِمْ تَفَضُّلًا لَا وُجُوبًا.
وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ.
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ] : شَرْعٌ لِكَسْرِ النَّفْسِ بِالْعِبَادَاتِ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي] : شَرْعٌ لِبَقَاءِ جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ كَالْإِذْنِ فِي الْمُبَاحَاتِ الْمُحَصَّلَةِ لِلرَّاحَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْوَطْءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ] : شَرْعٌ لِدَفْعِ الضَّرُورَاتِ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَلِافْتِقَارِ الْإِنْسَانِ إلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى اسْتِخْدَامِ غَيْرِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: شُرِعَ تَنْبِيهًا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَالْحَضِّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَعِتْقِ الرِّقَابِ وَالْهِبَاتِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ الْمَقْصُودُ شَرْعٌ لِلسِّيَاسَةِ وَالزَّجْرِ، وَهُوَ سِتَّةٌ أَصْنَافٍ.
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: شَرْعٌ لِصِيَانَةِ الْوُجُودِ كَالْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى -: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] مَعْنَاهُ: أَنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي كَتَبْتُهُ عَلَيْكُمْ إذَا أُقِيمَ ازْدَجَرَ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ، وَبِأَنَّهُ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 169
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست