responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 16
لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِهْدَاءَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَمِيلَ إلَيْهِ مَتَى وَقَعَتْ الْخُصُومَةُ، وَإِذَا قَبِلَ الْهَدِيَّةَ مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالُوا: يَرُدُّ عَلَى الْمُهْدِي إنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ يَضَعُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ.
وَإِنْ كَانَ يُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ، نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْهَدِيَّةُ مِثْلَ تِلْكَ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ آكِلًا بِقَضَائِهِ؛ لِأَنَّ سَابِقَةَ الْمُهَادَاةِ دَلَّتْ عَلَى الْإِهْدَاءِ لِلتَّوَدُّدِ وَالتَّحَبُّبِ لَا لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ لِيَمِيلَ إلَيْهِ مَتَى وَقَعَتْ الْخُصُومَةُ وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، مِنْ الْمُحِيطِ قُلْت: وَالْأَصْوَبُ فِي زَمَانِنَا عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْهَدِيَّةُ تُورِثُ إدْلَالَ الْمُهْدِي وَإِغْضَاءَ الْمُهْدَى إلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرُ الْقَاضِي وَدُخُولُ الْفَسَادِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ إنَّ الْهَدِيَّةَ تُطْفِئُ نُورَ الْحِكْمَةِ. قَالَ رَبِيعَةُ: " إيَّاكَ وَالْهَدِيَّةَ فَإِنَّهَا ذَرِيعَةُ الرِّشْوَةِ «وَكَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ» وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا.
وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ قِيلَ لَهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْبَلُهَا. فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً وَلَنَا رِشْوَةً لِأَنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لَا لِوِلَايَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ إلَيْنَا لِلْوِلَايَةِ.
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ السُّحْتُ بِالْهَدِيَّةِ وَالْقَتْلُ بِالْمَوْعِظَةِ، يُقْتَلُ الْبَرِيءُ لِيَتَّعِظَ بِهِ الْعَامَّةُ» .
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ: " لَا تُسَارَّ وَلَا تُضَارَّ، وَلَا تَبِعْ وَلَا تَشْتَرِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ " وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ، وَيَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ وَلَكِنَّهُ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنْ الْخُصُومَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ الْآخَرَ يَتَّهِمُهُ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ كَالْعُرْسِ وَالْخِتَانِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ، الْعَشَرَةُ وَمَا دُونَهَا خَاصَّةٌ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ مَا اُتُّخِذَتْ لِأَجْلِ الْقَاضِي بَلْ اُتُّخِذَتْ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ وَلَا يَصِيرُ الْقَاضِي آكِلًا بِقَضَائِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنْ مَاعُونٍ أَوْ دَابَّةٍ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ إلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا الَّذِي وَلَّاهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ دُونَهُ رَعِيَّةٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ بِطَانَةَ السُّوءِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُضَاةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ بُلِيَ بِذَلِكَ عَرَفَهُ وَمِنْهَا أَنْ يَخْتَارَ لَهُ كَاتِبًا يَكْتُبُ لَهُ، وَيَكْتُبُ مَا يَقَعُ فِي مَجْلِسِهِ بَيْنَ الْخُصُومِ.
وَلَا يَجْعَلُ كَاتِبَ الْحُكْمِ صَبِيًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا مُدَبَّرًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا ذِمِّيًّا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي أَوْصَافِهِ أَرْبَعَةً وَهِيَ: الْعَدَالَةُ، وَالْعَقْلُ، وَالرَّأْيُ، وَالْعِفَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْكِتَابَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ كَاتِبُهُ عَدْلًا فَقِيهًا يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ هُوَ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَيَقْعُدُ حَيْثُ يُرَى مَا يَكْتُبُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَالتَّخْلِيطِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُخْدَعُ بِالرِّشْوَةِ فَيَزِيدُ أَوْ يُنْقِصُ فِيمَا يَكْتُبُ فَيُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حُقُوقِ النَّاسِ.
وَيَكْتُبُ مَا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ مِنْ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا جَرَى قَبْلَ الْقَضَاءِ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ إلَيْهِ، فَيَكْتُبُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمَيْنِ لِكَيْ لَا يُتَّهَمَ بِتَغْرِيرٍ، وَيَقْرَأُ مَا كَتَبَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ أَخْبَرَاهُ بِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ كَمَا جَرَى وَقَّعَ بِخَطِّهِ أَسْفَلَ الْكِتَابِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمًا، وَإِذَا اخْتَصَمَ إلَيْهِ مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُتَرْجِمْ عَنْهُ ثِقَةٌ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست