وَمَا كَانَ تخالفهم إِلَّا من احْتِيَاط كل مِنْهُم لنَفسِهِ.
وَيُوجد فِي كل مَذْهَب من الْمذَاهب جمَاعَة من تلاميذ الإِمَام أَو الْفُقَهَاء المعروفين بالمرجحين، كل مِنْهُم كَانَ مُجْتَهدا لم يتَقَيَّد بِمذهب إِمَامه تَمامًا، وَخَالفهُ فِي كثير أَو قَلِيل من الْأَحْكَام مُخَالفَة اجْتِهَاد، بِسَبَب إطلاعه على أَدِلَّة مُجْتَهد آخر، أَو الْفَتْح عَلَيْهِ بِمَا لم يفتح بِهِ على إِمَامه.
وَلِأَن الدّين يلْزم الْمُسلم بَان يتبع فِي كل مَسْأَلَة مِنْهُ الشَّارِع لَا الإِمَام، وَإِن يعْمل فِي مواقع الِاجْتِهَاد بِاجْتِهَادِهِ، لَا بِاجْتِهَاد غَيره وَإِن كَانَ أفضل مِنْهُ.
وَهَذَا أَبُو حنيفَة وَأَمْثَاله رَحِمهم الله تَعَالَى، كَانُوا أفضل من أَن يعتقدوا فِي أنفسهم الْأَفْضَلِيَّة على أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا، وَمَعَ ذَلِك خالفوهما فِي كثير من الْأَحْكَام الاجتهادية. وفقهاء كل مَذْهَب من الْمذَاهب، لم يزَالُوا إِلَى الْآن يجوزون الْأَخْذ تَارَة بقول الإِمَام وَتارَة بقول أحد أَصْحَابه مَعَ أَن ذَلِك هُوَ عين التلفيق. فلماذا لَا يجوز الْحَنَفِيَّة مثلا التلفيق بَين أَقْوَال أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ أَو غَيره، وَلَيْسَ فيهم من يَقُول أَن أَصْحَاب إمَامهمْ أفضل من الشَّافِعِي وَمَالك وَابْن عَبَّاس، فَمَا هَذَا إِلَّا تَفْرِيق بِلَا فَارق وَحكم بعكس