اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 229
مناقشة هذه الاستدلالات:
أجيب عن هذه الاستدلالات بأن أبا حنيفة ناقض الأصل الذي يقول به، فقال إذا جاءت امرأة فادعت أن لها زوجا غائبا، وله مال في يد رجل، وتحتاج إلى النفقة، فاعترف لها بذلك، فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة.
ونرى الأخذ بالرأي القائل بصحة القضاء على الغائب بعد محاولات إحضاره، ما دامت البينة موجودة، لكي لا تضيع حقوق الناس، والعصر الذي نعيش فيه شاهد على حالات كثيرة يستولي فيها بعض الناس على أموال الآخرين لاستثمارها -ظاهرا- في تجارة أو غيرها، ثم يهرب، فهل تضيع حقوق الناس بحجة عدم القضاء على الغائب, أم ينظر القاضي في القضية ويطلب البينة، فإذا قامت البينة حكم القاضي بمقتضاها، وسنجد -كما سنبين- أن بعض فقهاء الحنفية يرى القضاء على الغائب مخالفا بهذا رأي إمامه أبي حنيفة -رضي الله تعالى عنه.
وقد دافع ابن حزم الظاهري بعباراته الهجومية المألوفة منه عن الرأي القائل بصحة القضاء على الغائب، قال: "وما ندري في الضلال أعظم من مثل حاكم شهد عنده العدول بأن فلانا الغائب قتل زيدا عمدا، أو خطأ، أو أنه غصب هذه الحرة، أو تملكها، أو أنه طلق امرأته ثلاثا، أو أنه غصب هذه الأمة "الجارية" من هذا، أو تملك مسجدا، أو مقبرة، فلا يلتفت إلى كل ذلك، وتبقى في ملكه الحرة، والفرج الحرام، والمال الحرام، ألا إن هذا هو الضلال المبين، والجور المتيقن، والفسق المتين، والتعاون على الإثم والعدوان"[1]. [1] المحلى، لابن حزم، ج9، ص369.
اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 229