اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 226
أدلة المانعين للحكم على الغائب:
استدل المانعون للحكم على الغائب بالأدلة الآتية:
أولا: قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} .
فالآية الكريمة ذمتهم لإعراضهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، وهذا يدل على أنه يجب عليهم أن يحضروا للحكم، ولو نفذ الحكم مع الغيبة، لم يجب الحضور ولم يستحقوا الذم، فدل هذا على عدم جواز الحكم على الغائب[1].
مناقشة الاستدلال:
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه لا منافاة بين ذمهم على عدم الحضور؛ لأنه واجب عليهم عدم الغيبة، فيمكن أن يجتمع الأمران: الذم على عدم الحضور ونفوذ الحكم مع الغيبة.
ثانيا: ما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر، فإنك إذا [1] أدب القضاء، لابن أبي الدم، القسم الدراسي لمحقق الكتاب، ج1، ص158. الشرط الثاني من شروط صحة الحكم في الدعوى:
أن لا يسبق من المدعي ما يناقض دعواه:
اشترط العلماء هذا الشرط؛ لأن يستحيل الجمع في الصدق بين سابق كلامه ولاحقه، كما لو ادعى شخص ملكية دار بعد إقراره أنه استأجرها؛ لأن استئجارها إقرار بالملك للمؤجر، فيكون بدعواه متناقضا، والتناقض يمنع صحة الدعوى.
وقد استثنى بعض العلماء من هذا بعض المسائل:
منها ما لو كذب القاضي المدعي فيما سبق منه، فتصح الدعوى حينئذ؛ لأن الكلام بهذا التكذيب -الذي حدث من القاضي- صار غير معول عليه، فلم يوجد التناقض.
ومنها ما لو أقر بالرضاع، فقال عن امرأة معينة: هذه رضيعتي، ثم اعترف بالخطأ في إقراره، فله أن يتزوج بها بعد ذلك.
ومنها ما لو صدق الورثة امرأة على أنها زوجة لمورثهم ودفعوا الميراث إليها، ثم دعواهم استرجاع الميراث منها بحكم الطلاق البائن الذي كان قد حصل من مورثهم حال صحته، ووفاته بعد هذا الطلاق، فتسمع دعواهم، لقيام العذر في ذلك لهم، حيث استصحبوا الحال في الزوجية، فصدقوا المرأة فيها، وخفيت عليهم البينونة؛ لأنها من الأمور التي ينفرد بها الزوج، ولذلك كان التناقض عفوا.
اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 226