اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 200
فعلى هذا لا يجتمع اثنان بحيث يكونان جميعا حاكما في قضية واحدة، وأما أن يتعدد القضاة في البلد الواحد بحيث ينفرد كل واحد منهم بالنظر في القضايا التي ترفع إليه، فذلك أمر جائز لا شيء فيه.
وقد استدل لهذا بأن المذاهب الفقهية مختلفة، والأغراض متباينة، ولا يصح أن يتفق رجلان في كل شيء حتى لا يرى أحدهما خلاف ما يراه الآخر، وإذا أشرك بين القاضيين فإن ذلك يكون داعيا إلى أن يختلفا في القضية التي ينظرانها، ويوقف نفوذهما كتعدد رئيس الدولة في القطر الواحد. وبين أصحاب هذا الرأي أنه لا يعترض على هذا الرأي بتعدد الحكم عند حدوث الشقاق بين الزوجين[1]، وبتعدد الحكم في جزاء قتل الصيد في الحرم؛ لأن الحكمين في الشقاق الحادث بين الزوجين, أو الحكمين في تقدير جزاء قتل الصيد في الحرم, إنما يحكمان في قضية واحدة وليس لهما ولاية القضاء، فإن اتفق حكمهما نفذ حكمهما وإن اختلفا لم ينفذ حكمهما, وأسند الحكم إلى غيرهما فلا يحدث من ذلك أي ضرر، وهذا يتنافى مع الولاية والقضاء ولاية؛ لأن من تولى القضاء لا يمكن الاستبدال به عند الخلاف في الرأي؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن تتوقف الأحكام ويمتنع تنفيذها[2].
ونرى أنه لا مانع من تعدد القاضي في نظر قضية واحدة، ولربما كان التعدد أدعى إلى الحيطة في الحكم، وعند الاختلاف يرجح الحكم الذي قال به الأكثر, ويحتاط في ذلك بأن يكون عدد القضاة عددا وتريا، بأن يكونوا ثلاثة، أو خمسة مثلا، والقوانين الوضعية راعت هذا الاحتياط في تشكيل المحكمة المختصة بنظر
- [1] عند حدوث الشقاق بين الزوجين أوصى الشرع بتدخل حكمين ليصلحا بين الزوجين, أحدهما من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجة، في قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} . [2] المنتقى شرح الموطأ، ج5، ص182.
اسم الکتاب : النظام القضائي في الفقه الإسلامي المؤلف : محمد رأفت عثمان الجزء : 1 صفحة : 200