اسم الکتاب : الشبهات وأثرها في العقوبة الجنائية في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون المؤلف : الحفناوي، منصور الجزء : 1 صفحة : 419
إطلاق قبول شهادة الأعمى على القول أو الفعل الذي شهده، أو سمعه بعد فقد بصره إطلاق، قيده ابن حزم نفسه باشتراط حدوث اليقين للشاهد، ومن أين يأتي يقين الأعمى بأن فلانا قد قال كذا أو فعل كذا، وقياس ابن حزم اشتباه الصوت على الأعمى باشتباه الصورة على البصير، قياس مردود بما هو مشاهد في الواقع؛ لأنه لا يوجد من تتطابق صورتهما من حيث الشكل والطول، والقصر واللون والنطق، وما إلى ذلك إلا حالات نادرة يعرفها المخالطون لها، ويستطيع كل منهم تمييز من تطابقت صورتهما بشيء من اختلاف الصوت، أو الهيئة، وما إلى ذلك من الملابسات، والمصاحبات والقرائن، فإن تعذر الأمر في هذه الحالات المعدودة، ولم يستطع الشاهد المبصر تميز من اتفقا في كل شيء أصبحت شهادة المبصر هنا غير يقينية، واعترتها الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، وإن كان ابن حزم لا يرى هذا، كما أنه من أين لمن يشهد بأشياء وقعت في ظلمة بأنها وقعت من فلان، إن وقوع الأشياء في ظلمة لا يمكن القطع بأنها وقعت من فلان عن طريق الإبصار فقط، وإنما لا بد من أن ينضم إليه ما يؤكده، فإن لم ينضم إليه ما يؤكده، فالشهادة به تكون شهادة بأشياء لم يصل الشاهد بها حد اليقين، كأنها وقعت ممن يشهد بها عليه، وشهادة مثل هذه لا يقام بها حد؛ لأن الشبهة قد اعترتها.
إن شهادة الأعمى حينئذ شهادة عن غير يقين، يصل حد يقين من يرى الشمس واضحة في كبد السماء حتى يشهد عليها.
وابن حزم، وإن ذكر أن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء فيه: "ألا ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع"، حديث قد جاء من طريق ضعيف، إلا أن ابن حزم قد صوب معناه وأكد عليه؛ لأنه قد اشترط تيقين الشاهد مما يشهد به حتى يعتد بشهادته[1]، وما أرجحه [1] المرجع السابق.
اسم الکتاب : الشبهات وأثرها في العقوبة الجنائية في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون المؤلف : الحفناوي، منصور الجزء : 1 صفحة : 419