فَإِنَّهُ يجد أفضلهَا مَا هُوَ ذُو نفس ويجد أفضل ذوى الْأَنْفس الَّذِي لَهُ الِاخْتِيَار والإرادة وَالْحَرَكَة الَّتِي عَن روية وَأفضل ذوى الْإِرَادَة وَالْحَرَكَة عَن الروية الَّذِي لَهُ التَّمْيِيز والفكر وَالنَّظَر البليغ فِي العواقب وَهُوَ الْإِنْسَان الْفَاضِل وَأَن يعلم مَعَ ذَلِك أَن الطبيعة لَا تفعل شَيْئا بَاطِلا فَكيف مبدع الطبيعة والبارئ تَعَالَى حَيْثُ هُوَ وهب الِاخْتِيَار والفكر والروية المبرية لم يكن يَنْبَغِي أَن يهمل أمرهَا وَكَانَ من الْوَاجِب فِي عدله وصنعه المتقن أَن ينهج لَهَا منهجا يسلكونه
النبوات
وَلما كَانَ ذَلِك وَاجِبا لم يكن يَنْبَغِي أَن يُرْسل إِلَيْهَا من لَيْسَ من طبعها لأَنهم لم يَكُونُوا يقدرُونَ على الِاسْتِفْهَام مِمَّن هُوَ من غير طبعهم فَظَاهر أَن فِي النَّاس وَفِي عُقُولهمْ وقوى نفسهم تفاضلا بَيْننَا حَتَّى أَن الْوَاحِد مِنْهُم يفوق بالفن الْوَاحِد جَمِيع ذوى جنسه ويعجز البَاقِينَ عَنهُ فممكن إِذن أَن يكون من النَّاس من يقوى على أَن يُوحى إِلَى قلبه بِمَا يعجز ذَوُو جنسه عَن مثله حَتَّى يقوم ذَلِك الْوَاحِد بتبليغ مَا يلقى إِلَيْهِ وَيقدر بِتِلْكَ الْقُوَّة وَذَلِكَ الإفهام على تشريع الْأَحْكَام ونهج السبل الداعية إِلَى صَلَاح الْخلق التميز والاتباع
ثمَّ يَنْبَغِي أَن تعلم إِنَّه إِذا ظهر مثل هَذَا الْوَجْه وَتبين أمره فَالْوَاجِب على كل ذِي تَمْيِيز اتِّبَاعه وَأَن تعلم إِن لكل وَاحِد من النَّاس تمييزا وَمَعْرِفَة فَمَتَى عرف الأفهام الْكَثِيرَة والآراء الْمُخْتَلفَة مجتمعة على كلمة وَاحِدَة وَلم يجد مَا هُوَ أظهر مِنْهُ وأكشف وَأقوى فَليتبعْ الْكثير