responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الخلافة المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 30
عَلَيْهِ، فحكمة جعله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ خلَافَة نبوته فِيهَا وَسَببه أَمْرَانِ (الأول) كَثْرَة المزايا الَّتِي تَنْتَشِر بهَا الدعْوَة، وَتَكون بِسَبَب طباع الْبشر سَببا لجمع الْكَلِمَة، وَمنع الْمُعَارضَة والمزاحمة أَو ضعفها، وَكَذَلِكَ كَانَ، فَإِن النَّاس أذعنوا لَهُم على تنازعهم وَكَثْرَة من لم يقم بأعباء الْخلَافَة مِنْهُم وَلَا أَخذهَا بِحَقِّهَا فَلم يَكُونُوا يَبْتَغُونَ بديلا من فَرد أَو بَيت مِنْهُم، إِلَّا إِلَى آخر مِنْهُم، وَكَانَ افتئات بعض الْأَعَاجِم على بعض العباسيين فسقا على الشَّرْع واعتداء على الْحُقُوق الْعَامَّة كَسَائِر أَنْوَاع الاعتداء على الْأَمْوَال والأعراض (وَالثَّانِي) أَن تكون إِقَامَة الْإِسْلَام متسلسلة فِي سلائل أول من تلقاها ودعا إِلَيْهَا ونشرها حَتَّى لَا يَنْقَطِع اتِّصَال سَيرهَا الْمَعْنَوِيّ والتاريخي، فَإِن الْحُقُوق الْخَاصَّة من الْملَل والأمم وليدة التَّارِيخ وربيبته.
ألم تروا أَن سيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين تعد هِيَ الْمثل الْأَعْلَى لأحكام الْكتاب وَالسّنة النَّبَوِيَّة وهديهما، وَأَن سيرة الْخُلَفَاء الْمَدَنِيين من الأمويين والعباسيين الَّذين نشرُوا الْفُنُون والعلوم ورقوا الحضارة فِي الشرق والغرب تعد أصل المَدنِيَّة الإسلامية وسندها؟ أَو لم تروا أَن صلَة الْعَالم الإسلامي بمهد الْإِسْلَام الموضعي (الْحجاز) تعد فِي الدرجَة الثَّانِيَة لصلته بكتابه وسنته، حَتَّى إِن الْخَلِيفَة الَّذِي نصبته الدولة التركية الجديدة فِي الآستانة، قد لقب نَفسه بخادم الْحَرَمَيْنِ الشريفين كالسلاطين الَّذين كَانَ الْحجاز خاضعا لَهُم؟
ألم تعلمُوا أَن الْإِسْلَام على حُرِّيَّته وسماحته قد خص الْحجاز أَو جَزِيرَة الْعَرَب بألا يبْقى فِيهَا دينان وَأوصى بذلك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي آخر حَيَاته؟ ألم يبلغكم أَن بعض المؤرخين من غير الْمُسلمين قَالَ: لَو أَن الْجَيْش الَّذِي فتح جنوب فرنسا بعد فتح الأندلس كَانَ كُله أَو أَكْثَره عَرَبيا لملك أوربا كلهَا ودان لَهُ أَهلهَا، وَإِنَّمَا انْتقض الإفرنج عَلَيْهِ لِأَن أَكْثَره كَانَ من البربر الَّذين لم يفهموا الْإِسْلَام وَلم يلتزموا أَحْكَامه فِي حفظ العهود وَالْعدْل وَعدم الاعتداء على الْأَمْوَال والأعراض كالعرب، أَفَرَأَيْتُم لَو جعل الْإِسْلَام خلَافَة النُّبُوَّة مشَاعا وتغلب عَلَيْهَا الْعَجم من الْقُرُون الأولى أَكَانَ يحفظ الْإِسْلَام ولغته كَمَا حفظ بنشر خلفاء قُرَيْش لَهُ من برهم وفاجرهم؟ وَهَذَا بحث يَتَّسِع المجال لشرحه وَلَكِن فِي غير هَذَا الْمقَال الَّذِي نُرِيد أَن يكون بِقدر الْحَاجة الطارئة.

اسم الکتاب : الخلافة المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 30
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست