اسم الکتاب : الجنايات في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المؤلف : الشاذلي، حسن علي الجزء : 1 صفحة : 302
الترجيح:
والذي أراه راجحا هو رأي أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن، وجه الترجيح أنه إذا نظرنا إلى هذه الآراء وجدنا أن الرأيين الأول والثالث يعتدان بأثر الإكراه على إرادة المباشر، فيسقطان القصاص عنه، غير أن الثالث يسقطها أيضا عن الدافع؛ لأنه قتل تسبيبا وليس قتلا مباشرة، وهذا مبني على اشتراط الحنفية أن الجناية العمد الموجبة للقصاص لا بد وأن تكون بفعل مباشر، أما الرأي الأول فإنه يوجب القصاص على المكره -بكسر الراء- وأرى رجحان هذا الرأي، للحديث الذي استدلوا به، ولأن القصد الجنائي الكامل غير موجود من المباشر؛ لأنه أصبح بالإكراه كالآلة في يد الجاني الحقيقي -وهو من أكرهه على ارتكابها- إذ الإنسان إذا انعدم رضاه وفسد اختياره بالإكراه أصبح طوع من أكرهه، فينسب الفعل في الحقيقة إلى المكره لا المباشر، وفي الصورة إلى المباشر، إلا أن مثله كمثل السكين المستعملة في القتل، وحسبنا للدلالة على أن قصده الجنائي غير متوافر أننا لو رفعنا عنه هذا المؤثر الخارجي القاهر له -وهو الإكراه- لما ارتكب هذه الجريمة، بل ولما فكر فيها ولا أرادها.. لذلك كان أهم أركان الجناية -وهو قصد إيقاع الفعل عدوانا- غير موجود، وإذا انعدم هذا القصد سقط عنه القصاص.
وينتج عن هذا التحليل أن القصاص يجب على المكره -بكسر الراء- لأن قصده القتل عمدا عدوانا موجود ومتوافر، والفعل القاتل موجود، وهو فعل من أكرهه وسلب إرادته حتى أصبح طوع أمره كالآلة في يده، وأما القول بأنه يقتص منهما فإن فيه تشددا واضحا في جانب المباشر، وإزهاقا لروح إنسان في جريمة لم يردها، ولئن قيل: إنه إنسان قد ابتلي وعليه أن يصبر حتى لو أدى صبره إلى قتله.. فإن للقهر سلطانا يهز الإرادة وينهى مراحل الصبر، ويعدم الرضا ويفسد الاختيار، فإن لم يكن
اسم الکتاب : الجنايات في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المؤلف : الشاذلي، حسن علي الجزء : 1 صفحة : 302