اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 637
ويسعون في وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ. وقد اقترح فعلاً في فرنسا تقرير عقوبة الجلد على أعمال التعدي الشديد التي تقع على الأشخاص، وذكر تأييداً لهذا اقتراح أن العادات قد تطورت تطوراً مخيفاً، وأن طبقات العامة أصبحت تلجأ إلى القوة والعنف لحسم المنازعات، وأن الإجرام تغير مظهره عن ذي قبل فأصبح أكثر شدة وأعظم حدة، وأن لا وسيلة لتوطيد الأمن إلا بإعادة العقوبات البدنية وأفضلها عقوبة الجلد.
ويعارض بعض شراح القوانين في تقرير عقوبة الجلد لسببين: أولهما: النفور من الألم البدني. وثانيهما: إنقاص الاحترام الواجب نحو شخص الإنسان. ولكن أصحاب الرأي المضاد يردون على هؤلاء بأن عقوبة الجلد تمتاز بأنها موجهة إلى حساسية الجاني المادية، وأن الخوف من ألم الجلد هو أول ما يخافه المجرمون فيجب الاستفادة من ذلك في إرهابهم، أما إنقاص الاحترام الإنساني ففكرة لا محل لها في العقاب ولا يصح أن يحتج بها لمن لا يوفر الاحترام لنفسه.
والقائلون بعقوبة الجلد يرون أن تكون مقصورة على المجرمين الذين لا يتأثرون بغيرها من أنواع العقوبات، سواء كانوا أحداثاً أم بالغين. ومنهم من يرى تخصيص عقوبة الجلد لجرائم السكر، وجرائم هتك العرض، وجرائم النهب والسرقة، وكسر الأسوار، وإتلاف المزروعات، وقتل المواشي، وعلى العموم لكل الجرائم التي تدل على القسوة وعدم المبالاة.
ويحتج هذا الفريق بأنه ما دام قد ثبت بشكل قاطع أن عقوبة الجلد تفوق غيرها من العقوبات في تأديب المسجونين وحفظ النظام بينهم وهم طائفة فاسدة، فيجب أن يكون الجلد عقوبة أساسية في القانون ووسيلة من وسائل التأديب والإصلاح لغير المسجونين.
ويعارض "جارو" في عقوبة الجلد، لا لأنها عقوبة غير صالحة، ولكن لأنه يخشى من سوء الاستعمال عند تنفيذ العقوبة، ولأنه يخشى أن يؤدي الرجوع إلى الجلد إلى تباري المشرعين في تقرير العقوبات القاسية [1] . [1] الموسوعة الجنائية ج5 ص53 وما بعدها.
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 637