اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 390
فإن القوانين الوضعية قد عرفت أكثر من نظرية واحدة، فقبل الثورة الفرنسية كانت المسئولية الجنائية قائمة على أساس النظرية المادية، ومقتضاها العقاب على أي فعل أياً كان مرتكبه، وبغض النظر عن صفته وحالته، وقد أدت هذه النظرية إلى عقاب الإنسان والحيوان والجماد، وأدت إلى عقاب الأحياء والأموات والأطفال والمجانين.
وبعد الثورة الفرنسية قامت المسئولية الجنائية على أساس من فلسفة الاختيار، ويسمى هذا المذهب بالمذهب التقليدي، وخلاصته أنه لا يصح أن يسأل جنائياً إلا من يتمتع بالإدراك والاختيار، وأن الإنسان وحده هو الذي تتوفر فيه هاتان الصفتان، وأن الإنسان بعد سن معينة يستطيع أن يميز بين الخير والشر ويختار بينهما، ومثل هذا الشخص هو الذي توجه إليه أوامر الشارع ونواهيه، فإذا خالف الشارع مع قدرته على الإدراك والاختيار كان من العدل أن يعاقب جزاء على مخالفتة أمر الشارع. فأساس المسئولية هو الإدراك والاختيار، والعقوبة مفروضة ضماناً لتنفيذ أمر الشارع، وجزاء عادلاً على مخالفته.
وبعد أن ساد المذهب التقليدي زمناً ظهر المذهب الوضعي، وهو قائم على فلسفة الجبر، وخلاصته أن المجرم لا يأتي الجريمة مختاراً، وإنما يأتيها مدفوعاً إليها بعوامل لا قبل له بها ترجع إلى الوراثة والبيئة والتعليم والتركيب الجثماني، وإذا كان الجاني لا خيار له في ارتكاب الجريمة فقد امتنع عقابه طبقاً للمذهب التقليدي، ولكن يمكن عقابه إذا اعتبرت العقوبة وسيلة من وسائل الدفاع عن الجماعة وحمايتها، وعلى أساس هذا المذهب يعاقب الإنسان سواء كان مختاراً أو غير مختار، مدركاً أو غير مدرك، عاقلاً أو مجنوناً، وإنما تختلف العقوبة التي تصيب كل جان باختلاف سنه وعقليته، وقد أخذت بعض القوانين بهذا المذهب ومنها القانون السوفيتي الصادر في سنة 1926، ولكن أكثر الدول لم تأخذ به.
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 390