اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي الجزء : 1 صفحة : 351
واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي، هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري[1]: إنَّ له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالمًا من أهل الاجتهاد في أحكام الدين؛ ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه.
والوجه الثاني: ليس له أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده، ولا يقودهم إلى مذهبه لتسويغ الاجتهاد للكافة، وفيما اختلف فيه، فعلى هذا يجوز أن يكون المحتسب من غير أهل الاجتهاد إذا كان عارفًا بالمنكرات المتفق عليها[2].
= على الإطلاق -كآلات الملاهي، وثياب الحرير للرجال، ويمنع من اتخاذ أنواع المسكرات، ويمنع صاحب كل صناعة من الغش في صناعته، ويمنع من إفساد نقود الناس وتغييرها، ويمنع من جعل النقود متجرًا، فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلّا الله، بل الواجب أن تكون النقود رءوس أموال يتجر بها ولا يتجر فيها، وإذا حرَّم السلطان سكة أو نقدًا منع من الاختلاط بما أذن في المعاملة به.
ومعظم ولايته وقاعدتها الإنكار على هؤلاء الزغلية وأرباب الغش في المطاعم والمشارب والملابس وغيرها، فإن هؤلاء يفسدون مصالح الأمة، والضرر بهم عام لا يمكن الاحتراز منه، فعليه ألا يهمل أمرهم، وأن ينكل بهم وأمثالهم، ولا يرفع عنهم عقوبته. [الطرق الحكمية: ص 349، 350] . [1] هو أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل الإصطخري، الفقيه الشافعي؛ كان من نظراء أبي العباس بن سريج، وأقران أبي علي بن أبي هريرة، وله مصنَّفات حسنة في الفقه منها كتاب "الأقضية"، وكان قاضي قم، وتولَّى حسبة بغداد، وكان ورعًا متقللًا، واستقضاه المقتدر على سجستان فسار إليها فنظر في مناكحاتهم فوجد معظمها على غير اعتبار الوليّ، فأنكرها وأبطلها عن آخرها. وكانت ولادته في سنة أربع وأربعين ومائتين، وتوفي في جمادى الآخرة يوم الجمعة ثاني عشرة، وقيل: رابع عشرة، وقيل: مات في شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. [2] قال ابن القيم -رحمه الله: من المعلوم أنَّ العمل بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين والصحابة بالمدينة كان بحسب من فيها من المفتين والأمراء والمحتسبين على الأسواق، ولم تكن الرعية تخالف هؤلاء، فإذا أفتى المفتون نفذه الوالي، وعمل به المحتسب، وصار عملًا، فهذا هو الذي لا يلتفت إليه في مخالفة السنن لا عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه والصحابة، فذاك هو السنة، فلا يخلط أحدهما وصله، فنحن لهذا العمل أشد تحكيمًا، وللعمل الآخر إذا خالف السنة أشد تركًا وبالله التوفيق، وقد كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يفتي وسليمان بن بلال المحتسب ينفذ فتواه، فتعمل الرعية بفتوى هذا وتنفيذ هذا. [إعلام الموقعين: 2/ 393] .
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي الجزء : 1 صفحة : 351