responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 242
أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ لِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ "مِنَ الْوَافِرِ":
أَبَا مَطَرٍ هَلُمَّ إلَى صَلَاحِ ... فَيَكْفِيَكَ النَّدَامَى مِنْ قُرَيْشِ
وَتَنْزِلُ بَلْدَةً عَزَّتْ قَدِيمًا ... وَتَأْمَنُ أَنْ يَزُورَكَ رَبُّ جَيْشِ
وَحَكَى مُجَاهِدٌ أَنَّ أُمَّ زَحْمٍ وَالْبَاسَّةَ، فَأَمَّا أُمُّ زَحْمٍ؛ فَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَزَاحَمُونَ بِهَا وَيَتَنَازَعُونَ، وَأَمَّا الْبَاسَّةُ فَلِأَنَّهَا تَبُسُّ مِنَ الْحَدِّ فِيهَا، أَيْ: تُحَطِّمُهُ وَتُهْلِكُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5] .
وَيُرْوَى النَّاسَّةُ بِالنُّونِ، وَمَعْنَاهُ: إنَّهَا تَنِسُّ مِنَ الْحَدِّ فِيهَا، أَيْ: تَطْرُدُهُ وَتَنْفِيهِ، وَأَصْلُ مَكَّةَ وَحُرْمَتُهَا مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ سبحانَهُ مِنْ حُرْمَةِ بَيْتِهِ، حَتَّى جَعَلَهَا لِأَجْلِ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَ بِرَفْعِ قَوَاعِدِهِ، وَجَعَلَهُ قِبْلَةَ عِبَادِهِ، أُمُّ الْقُرَى كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانَهُ: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشوري: 7] .
وَحَكَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أَنَّ سَبَبَ وَضْعِ الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ بِهِ، أَنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] .
فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ فَعَاذُوا بِالْعَرْشِ، فَطَافُوا حَوْلَهُ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ يَسْتَرْضُونَ رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ.
وَقَالَ لَهُمْ: ابْنُوا لِي فِي الْأَرْضِ بَيْتًا يَعُوذُ بِهِ مَنْ سَخِطْتُ عَلَيْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَيَطُوفُ حَوْلَهُ كَمَا فَعَلْتُمْ بِعَرْشِي فَأَرْضَى عَنْهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ هَذَا الْبَيْتَ، فَكَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96] . فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِغَيْرِهَا، فَقَالَ الْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ: قَدْ كَانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بَيْتٌ.
وَفِي قَوْلِهِ -تَبَارَكَ وَتعالى: {مُبَارَكًا} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ بَرَكَتَهُ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ثَوَابِ الْقَصْدِ إلَيْهِ.
وَالثَّانِي: إنَّهُ أَمْنٌ لِمَنْ دَخَلَهُ حَتَّى الْوَحْشِ، فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الظَّبْيُ وَالذِّئْبُ.
{وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} تَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ:

اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست