responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 229
بِخَرَاجٍ يُوضَعُ عَلَيْهَا، فَهَذَا الْخَرَاجُ جِزْيَةٌ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةُ رِقَابِهِمْ، وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ تَبَايَعُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَانَتْ عَلَى حُكْمِهَا فِي الْخَرَاجِ، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى مُسْلِمٍ سَقَطَ عَنْهُ خَرَاجُهَا، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ خَرَاجُهَا لِبَقَاءِ كُفْرِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ خَرَاجُهَا بِخُرُوجِهِ بِالذِّمَّةِ عَنْ عَقْدِهِ مَنْ صُولِحَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي هَذَا الْخَرَاجِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهَا، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى مَسَائِحِ الْجُرْبَانِ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ قَدْرٌ مِنْ وَرِقٍ أَوْ حَبٍّ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْ بَعْضِهَا بِإِسْلَامِ أَهْلِهِ كَانَ مَا بَقِيَ عَلَى حُكْمِهِ، وَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ خَرَاجُ مَا سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ.
وَإِنْ كَانَ الْخَرَاجُ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا صُلْحًا عَلَى مَالٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى مِسَاحَةِ الْجُرْبَانِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُمْ مِنْ مَالِ الصُّلْحِ مَا سَقَطَ مِنْهُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ مَالُ الصُّلْحِ بَاقِيًا بِكَمَالِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ هَذَا الْمُسْلِمِ مَا خَصَّهُ بِإِسْلَامِهِ، فَأَمَّا قَدْرُ الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ، فَإِنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ ضَرَبَ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ[1] قَفِيزًا وَدِرْهَمًا، وَجَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَا اسْتَوْفَقَهُ مِنْ رَأْيِ كِسْرَى بْنِ قُبَاءَ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ مَسَّحَ السَّوَادَ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ وَحَدَّدَ الْحُدُودَ وَوَضَعَ الدَّوَاوِينَ وَرَاعَى مَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ بِمَالِكٍ، وَلَا إجْحَافٍ بِزَارِعٍ، وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا، وَكَانَ الْقَفِيزُ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَثَمَنُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ الْمِثْقَالِ، وَلِانْتِشَارِ ذَلِكَ بِمَا ظَهَرَ فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى "مِنَ الطَّوِيلِ":
فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لَا تُغِلُّ لِأَهْلِهَا ... قُرًى بِالْعِرَاقِ مِنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ
وَضَرَبَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى غَيْرَهَا غَيْرَ هَذَا الْقَدْرِ، فَاسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ[2] عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ بِالْمِسَاحَةِ، وَوَضْعِ مَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ مِنْ خَرَاجِهَا، فَمَسَحَ وَوَضَعَ عَلَى

[1] الجريب من الأرض مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة أقفزة، كل قفيز منها عشرة أعشراء، فالعشير جزء من مائة جزء من الجريب. [اللسان: 1/ 260] .
[2] هو عثمان بن حنيف بن وهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة الأنصاري، من بني عمرو بن مالك بن عوف بن الأوس، أخو سهل؛ استشار عمر بن الخطاب الصحابة في رجل يوجهه إلى العراق، فأجمعوا جميعًا على عثمان هذا، وقالوا: لن تبعثه إلى أهم من ذلك! فإن له بصرًا وعقلًا ومعرفة وتجربة، فأسرع عمر إليه فولَّاه مساحة أرض العراق، فضرب عثمان على كل جريب من الأرض يناله الماء عامرًا وغامرًا وقفيزًا، فبلغت جباية سواد الكوفة قبل أن يموت عمر بعام مائة ألف ونيفًا. ونال عثمان بن حنيف في نزول عسكر طلحة، والزبير ما زاد فضله، ثم سكن الكوفة وبقي إلى زمان معاوية.
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 229
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست