responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 195
فَصْلٌ: "مصارف الزكاة"
وَأَمَّا قَسْمُ الصَّدَقَاتِ فِي مُسْتَحِقِّيهَا؛ فَهِيَ لِمَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] . بَعْدَ أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُهَا عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، حَتَّى لَزِمَهُ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إذَا لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ".
ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ الصَّدَقَاتِ بَعْدُ، فَعِنْدَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ بِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ"[1].
فَوَاجِبٌ أَنْ تُقْسَمَ صَدَقَاتُ الْمَوَاشِي، وَأَعْشَارُ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَخُمُسُ الرِّكَاز؛ ِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا زَكَاةٌ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ إذَا وُجِدُوا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخِلَّ بِصِنْفٍ مِنْهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مَعَ وُجُودِهِمْ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى جَمِيعِهِمْ، وَفِي تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَهُمْ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَوَاجِبٌ عَلَى عَامِلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَكَامُلِهَا وَوُجُودِ جَمِيعِ مِنْ سُمِّيَ لَهَا أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ بِالتَّسْوِيَةِ، فَيَدْفَعُ سَهْمًا مِنْهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْفَقِيرُ هُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، ثُمَّ يَدْفَعُ السَّهْمَ الثَّانِيَ إلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ، فَكَانَ الْفَقِيرُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ أَسْكَنَهُ الْعَدَمُ، فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا اتَّسَعَتِ الزَّكَاةُ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنِ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِحَسَبِ حَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مِنْ يَصِيرُ بِالدِّينَارِ الْوَاحِدِ غَنِيًّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ يَرْبَحُ فِيهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَغْنِي إلَّا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ذَا جَلَدٍ يَكْتَسِبُ بِصِنَاعَتِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ دِرْهَمًا، وَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَكْثَرَ مَا يُعْطَاهُ الْفَقِيرُ

[1] لم أقف عليه.
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 195
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست