responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 134
فصل:
فَإِذَا نَظَرَ فِي الْمَظَالِمِ مَنِ اُنْتُدِبَ لَهَا، جُعِلَ لِنَظَرِهِ يَوْمًا مَعْرُوفًا يَقْصِدُهُ فِيهِ الْمُتَظَلِّمُونَ، وَيُرَاجِعُهُ فِيهِ الْمُتَنَازِعُونَ؛ لِيَكُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ لِمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَيْهِ مِنَ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عُمَّالِ الْمَظَالِمِ الْمُنْفَرِدِينَ لَهَا، فَيَكُونُ مَنْدُوبًا لِلنَّظَرِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ، وَلْيَكُنْ سَهْلَ الْحِجَابِ نَزِهَ الْأَصْحَابِ، وَيُسْتَكْمَلُ مَجْلِسُ نَظَرِهِ بِحُضُورِ خَمْسَةِ أَصْنَافٍ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُمْ وَلَا يَنْتَظِمُ نَظَرُهُ إلَّا بِهِمْ:
أَحَدُهُمْ: الْحُمَاةُ وَالْأَعْوَانُ لِجَذْبِ الْقَوِيِّ وَتَقْوِيمِ الْجَرِيءِ.
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ؛ لِاسْتِعْلَامِ مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يَجْرِي فِي مَجَالِسِهِمْ بَيْنَ الْخُصُومِ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: الْفُقَهَاءُ؛ لِيَرْجِعَ إلَيْهِمْ فِيمَا أَشْكَلَ، وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا اشْتَبَهَ وَأَعْضَلَ.
وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ: الْكُتَّابُ؛ لِيُثْبِتُوا مَا جَرَى بَيْنَ الْخُصُومِ، وَمَا تَوَجَّبَ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ.
وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ: الشُّهُودُ لِيُشْهِدَهُمْ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ مِنْ حَقٍّ وَأَمْضَاهُ مِنْ حُكْمٍ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ مَجْلِسَ الْمَظَالِمِ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ شَرَعَ حِينَئِذٍ فِي نَظَرِهَا.
وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ يَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةِ أَقْسَامٍ:
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي تَعَدِّي الْوُلَاةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَأَخْذِهِمْ بِالْعَسْفِ فِي السِّيرَةِ، فَهَذَا مِنْ لَوَازِمِ النَّظَرِ فِي الْمَظَالِمِ الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَى ظُلَامَةِ مُتَظَلِّمٍ؛ فَيَكُونُ لِسِيرَةِ الْوُلَاةِ مُتَصَفِّحًا عَنْ أَحْوَالِهِمْ، مُسْتَكْشِفًا لِيُقَوِّيَهُمْ إنْ أَنْصَفُوا، وَيَكُفَّهُمْ إنْ عَسَفُوا، وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ إنْ لَمْ يُنْصِفُوا.
حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَطَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ، وَكَانَتْ مِنْ أَوَّلِ خُطْبَةٍ فَقَالَ لَهُمْ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يُرَحِّبُ إلَّا أَهْلَهَا، وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْوُلَاةِ مَنَعُوا الْحَقَّ حَتَّى اشْتَرَى مِنْهُمْ شِرَاءً، وَبَذَلُوا الْبَاطِلَ حَتَّى افْتَدَى مِنْهُمْ فِدَاءً، وَاَللَّهِ لَوْلَا سُنَّةٌ مِنَ الْحَقِّ أُمِيتَتْ فَأَحْيَيْتُهَا، وَسُنَّةٌ مِنَ الْبَاطِلِ أُحْيِيَتْ فَأَمَتُّهَا، مَا بَالَيْتُ أَنْ أَعِيشَ وَقْتًا وَاحِدًا.

اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 134
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست