اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : ابن الفراء، أبو يعلى الجزء : 1 صفحة : 220
فقد أجاز له أن يستقي بستانه من نهر مملوك بغير إذنهم، وهذا يدل على أنه يلزمه بذله للزرع. وقال في رواية البرزاطي: في الرجل يكون له الأرض وليس له فيها بئر ولجاره بئر في أرضه، فليس له أن يمنع جاره أن يسقي أرضه من بئره. والأولى أصح وأنه يلزمه بذله للحيوان دون الزروع. وقد روى أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: " مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ فَضْلَ الكلأ منعه الله رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَبَذْلُ هَذَا الْفَضْلِ مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي قَرَارِ البئر، فإن استقاه لم يلزمه بذله وجاز بيعه. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِكَلَأٍ يَرْعَى، فَإِنْ لَمْ يَقْرُبْ مِنْ الْكَلَأِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ. والثالث: أن لا تجد المواشي غيره من.
فإن وجدت غيره مباحا لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَعَدَلَتْ الْمَوَاشِي إلَى الْمَاءِ الْمُبَاحِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَوْجُودِ مَمْلُوكًا لَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكِي الْمَاءَيْنِ أَنْ يَبْذُلَ فَضْلَ مَائِهِ لِمَنْ وَرَدَ إلَيْهِ، فَإِذَا اكْتَفَتْ الْمَوَاشِي بِفَضْلِ أَحَدِ الْمَاءَيْنِ سَقَطَ الْفَرْضُ عن الآخر. والرابع: أن لا يكون عليه في ورود الْمَوَاشِي إلَى مَائِهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ فِي زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ. فَإِنْ لَحِقَهُ بِوُرُودِهَا ضَرَرٌ مُنِعَتْ، وَجَازَ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ فَضْلِ الْمَاءِ لَهَا. فَإِذَا كملت هذا الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْفَضْلِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أن يأخذ له ثمنا، ويجوز الإخلال بهذا الشُّرُوطِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَهُ إذَا بَاعَهُ مُقَدَّرًا بكيل أو وزن، ولا يجوز بيعه جُزَافًا وَلَا مُقَدَّرًا بِرَيِّ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ. وقد قال أحمد في رواية أبي طالب " فإن كان له بئر في داره فيؤديه بالدخول عليه فلا بأس أن يمنع أو يكون له مكان يجعل فيه ماء السماء فلا يمنعه إذا خاف العطش". فقد أسقط عنه بذل الفضل إذا كان يتأذى ببذله. وقال في رواية صالح " ليس له أن يمنع الفضل لمن دعا إذا لم يجدوا ما يسقون، يكون قد منعهم شيئا مباحا". فقد اعتبر أن لا يجدوا غير ذلك في الماء وإذا احتفر بئر فملكها وحريمها، ثم احتفر بئرا فنصب ماء الأولة إليها وغار فيها، أو احتفرها لطهور فتغير بها ماء الأولة، فهل تطم عليه أم لا؟ فيه روايتان: إحداهما: تقر عليه ولا يمنع منها نص عليه في رواية أبي على الحسن بن ثواب: في رجل حفر في داره بئرا فجاء آخر فحفر في داره بئرا إلى جنب الحائط الذي بينه وبينه فجرت هذه البئر ماء تلك البئر فقال " لا تسد هذه من أجل تلك، هذه في ملك صاحبها".
اسم الکتاب : الأحكام السلطانية المؤلف : ابن الفراء، أبو يعلى الجزء : 1 صفحة : 220