والحقائق العلمية يستوجب تدوينها أسلوبًا له خصائصه في التعبير والتفكير والمناقشة. وهو ما يسمى بالأسلوب العلمي، وهو أهدأ الأساليب، وأكثرها احتياجًا إلى المنطق والفكر، وأبعدها عن الخيال الشعري؛ لأنه يخاطب العقل، ويناجي الفكر، ويشرح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموض وخفاء، وأظهر ميزات هذا الأسلوب الوضوح، ولَا بُدَّ أن يبدو فيه أثر القوة والجمال، وقوته في سطوع بيانه، ورصانة حججه، وجماله في سهولة عباراته، وسلامة الذوق في اختيار كلماته، وحسن تقريره المعنى من أقرب وجوه الكلام[1].
والتعبير بكلمات صحيحة، مناسبة، مؤدية للغرض، وبطريق مباشر، هو القانون الذهبي للكتابة الجيدة.
وفي سبيل التعبير بأسلوب علمي جذاب ينبغي أن يكون اختيار الجمل دقيقًا، والأسلوب متنوعًا، وليس مسترسلًا؛ لأن الجمل إذا كانت متشابهة الانتهاء، متشابهة التركيب والتعبير، مكررة على وتيرة واحدة؛ فإنها تكون فاقدة التأثير، عديمة الحياة.
والملاءمة بين المعاني والألفاظ هي سر البلاغة، وهي ليست بالأمر اليسير؛ بل إنها أعجزت مشاهير البلغاء، يُحكي عن المبرد قوله:
"ليس أحد في زماني إلا وهو يسألني عن مشكل من معاني القرآن، أو مشكل من معاني الحديث النبوي، أو غير ذلك من مشكلات علم العربية، فأنا إمام الناس في زماني، وإذا عرضت لي حاجة إلى بعض إخواني، وأردت أن أكتب إليه شيئًا في أمرها أحجم عن ذلك؛ لأني أرتب المعنى في نفسي، ثم أحاول أن أصوغه بألفاظ مرضية؛ فلا أستطيع ذلك"[2]. وكما قال بعض المفكرين: "ليست الصعوبة في أن تكتب؛ [1] انظر: علي الجارم، البلاغة الواضحة ص12. [2] ابن الأثير ج1، ص74.