على الرخص مثل عمله على العزائم. وأما الأحاديث التي استدل بها الإمام أبو حنيفة فهي أكثر ما تدل فتدل على أن القصر أفضل لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأما قول عائشة رضي الله عنها وغيرها بأن الصلاة في السفر فرضت ركعتين فله عدة معاني:
منها: فرضت صلاة السفر ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما وزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم.
ومنها: وقيل معناه أقرت على ما كانت عليه من الوجوب. ومعنى زيد في صلاة الحضر أي نسخ كونها ركعتين لأن زيادة الركعتين يمنع من الاكتفاء بالركعتين فوقع النسخ في صلاة الحضر.
ومنها: المنسوخ في السفر هو وجوب الركعتين وجعلهما سنة والمنسوخ في الحضر وجوب الركعتين إلى الأربع.
ومنها: فرضت بمعنى قدرت لأن الفرض بمعنى التقدير في اللغة. ومنها قول الطبري: المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه. وكذلك اختلف الناس أيضاً في تأويل عثمان. وأصح تأويل في هذا ما ذكره النووي والمحققون وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. بأن عثمان وعائشة رأيا القصر جائزاً والاتمام جائزاً فأخذا بأحد الجائزين وهو الاتمام[1].
ويحمل على هذا قصة ابن مسعود التي رواها عبد الرحمن بن يزيد يقول: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتين متقبلتان (متفق عليه) .
فكان ابن مسعود أيضاً ممن يرى الجواز وإن كان الأولى عنده القصر وإلا لما كان له أن يصلي الركعات أكثر من الوجوب لأن زيادة الركعات علي الوجوب لا تجوز بحال من الأحوال وأما أنه ترك الأولى فذلك لدفع الشر والفتنة فإن الخلاف شر ووقع التصريح في رواية البيهقي: أني لأكره الخلاف[2].
وفي رواية أبي داود[3]: "الخلاف شر" وكذا ذكره الإمام الشافعي في الأم[4]. [1] ذكر النووي بعض هذه المعاني في شرحه لمسلم 195: 5. [2] السنن144/3. [3] لم أجده في مظانه في السنن ولكن عزاه الحافظ إليه في الفتح (564/2) وجاء في رواية البيهقي أيضاً. [4] انظر الأم 180/1.