اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 388
(ج) وان أعجبت بخيرك [1] فتفكر في معاصيك وتقصيرك وفي معايبك ووجوهها [2] ، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك، فليطل [3] همك حينئذ من ذلك، وأبدل من العجب تنقيصاً لنفسك.
(د) وان أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك اياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت. ولقد أخبرت عن عبد الملك بن طريف [4] وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته، وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه اخلالاً شديداً ولم يعاوده ذلك الذكاء بعد. وأنا أصابتني علة فأقمت منها، وقد ذهب ما كنت احفظ الا ما لا قدر له، فما عاودته الا بعد أعوام.
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة والإكباب على الدرس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالاكباب وحده لكان غيره فوقه، فصح انه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب ها هنا ما هذا الا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم الذي [1] ص: بعلمك بخيرك. [2] ص: معاشك ووجوهه. [3] ص: فيبطل؛ وما هنا قراءة د. [4] الأرجح أنه أبو مروان عبد الملك بن طريف من أهل قرطبة، وكان لغوياً نحوياً أخذ عن ابن القوطية وألف كتاباً حسناً في الأفعال وتوفي في نحو الأربعمائة (الصلة: 340 وبغية الوعاة 2: 111) .
اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 388