اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 33
واجتمع إلى هذين المصدرين الفلسفي والطبي - في تصور مفهوم الحب مصدر ثالث هو المصدر التنجيمي الذي رأينا بوادره عند الموبذ قاضي المجوس، وقد خضع ابن داود أيضاً لهذا المصدر [1] وقرنه بالمصدرين الآخرين، كما فعل شيئاً شبيهاً بذلك إخوان الصفا [2] وإن لم يكن تحديد المؤثرات النجومية متفقاً عليه بينهما.
فإذا انتهينا إلى أواخر القرن الرابع وجدنا " تصعيداً " متعمداً لكل هذه النظرات لدى أبن سينا الذي يرى أن من شأن العاقل " الولوع بالمنظر الحسن من الناس " ولكن إن كان هذا الولوع لذة حيوانية فهو مستحق للوم (مثل الفرقة الزانية والمتلوطة) [3] ، ولهذا تستبعد لذة المباضعة، فأما المعانقة والتقبيل فإن كان الغرض منهما الاتحاد فليس بمنكر (وهذا هو الظرف) ، ولكن العشق الحقيقي هو عشق الخير المطلق عشقاً غريزياً، أي قبول تجليه على الحقيقة، وتجليه هو حقيقة ذاته، والنفوس الملكية عاقلة له وعاشقة ومتشبهة بما تعقله منه أبداً [4] . وهكذا ينتهي أبن سينا إلى ما انتهى إليه إخوان الصفا، دون أن ندري يقيناً أيهما كان قبل الآخر، ويكون المتفلسفة قد وصلوا إلى فكرة " الاتحاد " في الحب، وكان وصولهم إلى ذلك قبل المتصوفة، على الأرجح.
غير أن القرن الثالث شهد مفهوماً رابعاً للحب (إلى جانب المفهوم الفلسفي والطبي والنجومي) ؛ وهذا المفهوم صوفي أيضاً، لكنه لم يبلغ بعد درجة " الاتحاد " ولا ندري حقيقة من هو الذي قال به لأنه فريد في منزعه وهو يتلخص في أن الحب - على المستوى الإنساني - امتحان لكي يتلقن المحب درساً في طاعة محبوبه ويدرك معنى المشقة في مخالفته؛ وهذا [1] الزهرة 1: 16. [2] رسائل 3: 273. [3] أبن سينا: رسالة في ماهية العشق (تحقيق وترجمة أحمد آتش، أستانبول 1953) ص: 18. [4] رسالة العشق: 25 - 29.
اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 33