رمضان شهر الحرية (2)
الحمد لله، الذي شرح صدور المؤمنين للإيمان، وحرَّرهم من عبودية الأصنام والأوثان، والصلاة والسلام على نبينا محمد ما تعاقب الملَوَان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فقد كان الحديث بالأمس عن الحرية الحقّة، وعن أثر الصيام في بثها في نفوس الصائمين، ومرَّ بنا كيف تكون حال الإنسان إذا هو أطلق لنفسه باب الحرية، واستعبدته الشهوات، وسائر الرغبات.
وإذا أردت أيها الصائمُ الكريمُ مثالًا يثبِّتُ فؤادَك، ويدُلُّك على أن الحرية المطلقة شؤمٌ وبلاءٌ على أصحابها - فانظر إلى حال المجتمعات الكافرة المعاصرة؛ فها هي قد فتحت أبواب الحرية على مصاريعها، فلم يَعُدْ يردَعُها دينٌ، أو يزمُّها ورعٌ، أو يحميها حياءٌ؛ فمن كفرٍ وإلحادٍ، إلى مجون وخلاعة وإباحية مطلقة، ومن خمور ومخدرات إلى زنا ولواط وشذوذ بكافة أنواعه، مما يخطر بالبال ومما لا يخطر؛ فكيف تعيش تلك الأمم، وهل وصلت للسعادة المنشودة؟ !
والجواب: لا؛ فما زادهم ذلك إلا شقاءً وحسرةً؛ فسنة الله - عز وجل - في الأمم هي سنته في الأفراد؛ فمتى أعرضت عن دينه القويم، وتنكبت صراطه المستقيم أصابها ما أصابها بقدر بعدها وإعراضها.