اسم الکتاب : خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة المؤلف : عبد الغني أحمد جبر مزهر الجزء : 1 صفحة : 102
بالأقوال، وتبرز خصوصية القدوة العملية في عدة مزايا:
الأولى: أن الفعل لا يرد عليه شبهة التطبيق، أما القول فممكن ورودها عليه، فمهما كان علم المدرس، أو الخطيب، أو العالم، ومهما بلغ في وعظه فإنه قد يعتمل في أذهان الكثير ممن يسمعه، هل يعمل هذا بما يعلم؟ وهل يطبق ما يقول؟ بينما لا يرد مثل هذا على العالم العامل إذا رأوا عمله، وأبصروا سيرته.
الثانية: أن القدوة العملية تترجم القول إلى فعل، والعلم إلى عمل، والعمل ظاهر للجميع، مفهوم للجميع، في حين أن القول قد يخفى على بعض الناس مراميه ومقاصده.
الثالثة: أن القدوة العملية تقطع عن العمل شبهه المثالية، أو الخيالية، وأنه يستحيل تحقيقه، أو يصعب جدا، وهذه شبهة يتعلق بها كثير من الناس في زماننا، فإنهم إذا دعوا إلى مكارم الأخلاق ومعاليها، قالوا: هذه مثاليات وأمور خيالية تعيش في الذهن ولا تحيا في الواقع، وهي شبهة ليست بجديدة، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان.
إذا فليحرص الخطيب على أن يكون قدوة صالحة لحيه، وأهل مسجده ومن يعرفه، فيدعوهم بفعله قبل قوله، وبعمله قبل علمه، ولا يبعد المسافة بين القول والعمل، فكم فيهم من عدو شامت.
قال الطغرائي في لاميته:
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل (1)
. وقال أبو الفتح البستي:
يا أيها العالم المرضي سيرته ... أبشر فأنت بغير الماء ريان (2)
وهذه بعض الآثار والحكم والأشعار الواعظة في هذا الباب:
عن الشعبي قال: يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ قالوا:
(1) الطغرائي: هو العميد أبو إسماعيل الحسين بن علي ت 513 هـ وهذا البيت من لاميته المشهورة، انظر: جواهر الأدب (ص686) .
(2) المصدر نفسه (ص 672) .
اسم الکتاب : خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة المؤلف : عبد الغني أحمد جبر مزهر الجزء : 1 صفحة : 102