تحية المسجد للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف.
عن أبى قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" [1].
فقه الحديث: الحديث يدل على مشروعية الركعتين لمن دخل المسجد قبل أن يجلس فإنه من حق المساجد على المسلمين كما رواه ابن أبى شيبة في مصنفه: "أعطوا المساجد حقها، قيل له: وما حقها؟ قال: ركعتان قبل أن يجلس".
ولكن إذا خالف الرجل هذا الحكم عمداً أو ناسياً فجلس فهل يشرع له التدارك أم لا. فالصحيح في هذا أنه يشرع له أن يقوم فيصلي ركعتين لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أركعت ركعتين) . قال: لا. قال: قم فاركعهما. ومثله قصة سليك الغطفانى الآتية بعد قليل.
واختلف العلماء من صيغة الأمر على قولين:
(القول الأول) إن الأمر للندب وليس للوجوب. وهو قول الجماهير من الفقهاء والمحدثين. قال مالك عقب رواية الحديث: هذا حسن وليس بواجب.
(القول الثاني) إن الأمر للوجوب أو قريباً من الوجوب. وهو مروي عن داود الظاهري كما نقله عنه ابن بطال. ولكن الذي صرح به الحافظ ابن حزم غير هذا فقد قال [1] رواه مالك في الموطأ (10/135 مع التنوير) ومنه الجماعة، البخاري (1/537 مع الفتح) ومسلم (1/495) وأبو داود (1/319) والترمذي (2/129) والنسائي (2/53) كلهم عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة، ولفظ أبي داود: "فليصل سجدتين قبل أن يجلس وزاد في رواية أبي عميس عتبة بن عبد عن عامر: "ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته"، وروى البخاري (3/48) بطريق عبد الله بن سعيد عن عامر: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" بصيغة النهي.
اتفق جميع الرواة عن مالك بأنه عن أبي قتادة وروى سهيل بن أبي صالح عن عامر فقال عن جابر بدل أبي قتادة وقد خطأ الترمذي هذه الرواية وقال: "وهذا حديث غير محفوظ والصحيح حديث أبي قتادة" وقد نبه إلى هذا الخطأ علي بن المديني كما قال الترمذي، وأما حديث جابر فهو في سياق آخر وسوف يأتي بعد قليل.