اسم الکتاب : النقد والبيان في دفع أوهام خزيران المؤلف : القصاب، محمد كامل الجزء : 1 صفحة : 8
أقوال السادة الشافعية:
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في «مجموعه» [1] و «أذكاره» [2] : «والصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يُرفَعُ صَوتٌ بقراءةٍ ولا ذكرٍ ولا غيرِهما؛ لأنه أَسكنُ للخاطر، وأَجمعُ للفكر فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض: «الزم طرقَ الهدى ولا يغرَّكَ قلَّة السالكين، وإياك وطرقَ الضلالةِ ولا تغترّ بكثرة الهالكين» [3] ، وقد رَوَيْنا (4) [1] «المجموع» (5/290-291) ، وسينقل كلامه الرملي في «حواشي المنهاج» ، وسيأتي ذكره قريباً عند المصنف، وانظر ما علقته، والله الموفق. [2] «الأذكار» (ص 145) ، والمزبور بحروفه منه. [3] ذكره الشاطبي في «الاعتصام» (1/135 - بتحقيقي) ، وفيه: «اتبع طرق ... ولا يضرك قلة ... » ، وعزاه النووي في «الأذكار» (58 - ط. دار ابن كثير) إلى الحاكم.
(4) قال عز الدين بن جماعة في «شرح الأربعين النووية» (ق5/ب) : ... =
= ... «الأكثر يقولون: رَوَيْنا -بفتح الراء مخففة-، مِن روى: إذا نقل عن غيره؛ مثل: ... رمى يرمي، والأجود بضم الراء وكسر الواو مشددة؛ أي: روانا مشايخنا؛ أي: نقلوا لنا فسمعنا» .
وقال ابن المعز الحجازي: إنّ المشهور، هو: رَوَيْنا -بفتح الراء والواو مخففة-. وفي الوجهين يقول الناظم:
وقل رَوَيْنا أو رُوِّينا ضما ... وجهان فيهما فكن مهتما
وهناك في ضبطها قول ثالث ذكر ابن علان عن الكازروني؛ وهو: بضم الراء مبنياً للمفعول مخففة؛ أي: روى لنا إسماعاً أو إقراء أو إجازة أو غيرها. انظر: «الفتوحات الربانية» (1/29) .
وقد أفرد عبد الغني النابلسي (1143هـ) ضبط هذه الكلمة في رسالة مفردة، اسمها: «إيضاح ما لدينا في قول المحدثين: روينا» ، وهي مِن محفوظات المكتبة الأحمدية بحلب، وهي تقع في خمس ورقات، وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نَبِيَّ بعده وعلى آله وأصحابه، وأخص بالزيادة أتْبَاعه وأنصاره وجُنده، أمَّا بَعْدُ: فيقول (أ) شيخنا الإمام العلامة العمدة الهُمَام الفَهَّامة جَنَاب الشيخ عبد الغني الشهير نسبه الكريم بابن النابلسي الدمشقي الحنفي -عامله الله تعالى بلطفه الخفي-:
سألني الكامل الفاضل جامع الفضائل والفواضل محمد أفندي الرومي نائب الشرع الشريف في محروسته دمشق الشام، يوم الخميس، تاسع شهر ربيع الثاني من شهور سنة خمس وعشرين ومئة وألف، حين ورد بالنيابة واجتمعنا به -أحسن الله تعالى قدومه وإيابه، وأجزل ثوابه-: عن معنى قول الإمام العالم العلامة القدوة الكامل الفهامة محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي -رحم الله روحه، ونَوَّر ضريحه- في كتابه «الأربعين» ، المشتمل على أحاديث سَيِّد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين، في آخر الحديث (السابع والعشرين) من كتابه المذكور، بعد إيراد لفظ الحديث عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه-، قال النووي: «حديث صحيح -وفي نسخة: حسن-، رويناه في ... «مسند الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي» بإسناد جيد -وفي نسخة: حسن-، وصورة السؤال: أنّ قوله: «رويناه» في «مسند الإمامين» يقتضي أنّ الإمام النووي مَذْكور في=
-------------------------
(أ) القائل هنا؛ هو: محمد بن إبراهيم الدكدكجي.
= «المسند» الذي للإمامين، مع أنَّ الإمام النووي متأخر عنهما بيقين، والإمامان متقدمان ولم يجتمع بهما ولا بأحدهما، فإنَّ الإمام أحمد بن حنبل وُلد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومئة، ومات في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين عن سبع وسبعين سنة، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدَّارِمي التميمي السَّمَرْقَنْدي الحافظ من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، ولد سنة إحدى وثمانين ومئة، ومات يوم التروية سنة خمس وخمسين ومئتين.
وأمَّا الإمام النووي، فإنه ولد في محرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة، وتوفي في رجب سنة ست وسبعين وست مئة عن خمس وأربعين سنة، فقلت في الجواب عن ذلك -بعون القدير المالك-: أما قوله: رويناه في «مسند الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي» مثل قوله في أول كتابه «الأربعين» قبل الشروع فيه: «فقد روينا عن علي بن أبي طالب، وعبد الله ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهم-» ، وهم صحابة متقدمون، وهو متأخر عنهم جداً؛ فإنه على معنى روت لنا مشايخنا؛ أي: نقلوا لنا فسمعنا؛ كما صرح بهذا شارح «الأربعين» الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهَيْتَمي، وذكر الشارح -أيضاً- في شرح قوله: «رويناه في «مسند الإمامين» » يعني: رويناه بسندنا المتصل حالة كونه في «مسند الإمامين» ، وقال الشارح -أيضاً-: «وقوله رَوَيناه بفتح أوله مع تخفيف الواو عند الأكثر، من رَوَى إذا نقل عن غيره. وقال جمع: الأجود ضم الراء وكسر الواو المشددة؛ أي: روت لنا مشايخنا، فسمعنا عن علي بن أبي طالب ... » إلى آخره.
وذكر الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الهمداني الفَيُّومي ثم الحموي المشهور بابن خطيب الدهشة في كتابه «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» ، وهو شرح «الوجيز» ، تصنيف الإمام الغزَّالي في فقه الشافعية، وشرحه للإمام الرافعي -رحمهم الله تعالى-، قال: «رَوَى البعير الماء، يَرْويه مِن باب: رَمَى فهو رَاوِيَة، الهاء فيه للمبالغة، ثم أطلقت الرَّاوِيَة على كل دابَّة يُسْتَقى الماء عليها، ومنه قيل: رَوَيْتُ الحديث: إذا حَمَلْتَه ونقلتَه، ويُعَدَّى بالتضعيف، فيقال: رَوَّيْت زيداً الحديث، ويُبْنى للمفعول، فيقال: رُوِّينَا الحديث» . انتهى كلامه.
وعلى هذا؛ فإذا حمل قول النووي -رحمه الله تعالى-: فقد روينا عن علي بن أبي طالب ... إلى آخره، بتشديد الواو مبنياً للمفعول؛ يعني: رَوَّانا مشايخنا ذلك -بتشديد الواو-= =بأن كان الشيخ الأول رَوَّى -بتشديد الواو- مَنْ بَعْده، والذي بعده رَوَّى -بتشديد الواو- مَنْ بعده إلى آخر شيخ هو روَّانا -بتشديد الواو-، فعلى هذا؛ يُقْرأ قوله: فقد رُوِّينَا بضم الراء وتشديد الواو مكسورة وضم الهاء مبنياً للمفعول، ولا يختلف رسم الكتابة في ذلك.
وأمّا قوله: بإسناد جيد أو حسن، بعد قوله: رويناه في «مسند الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي» فالجار والمجرور متعلق بواجب الحذف حال من الهاء في قوله: رويناه، كما أنّ قوله: في «مسند الإمامين» ، الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف حال -أيضاً- من الهاء في قوله: رويناه، كما أشار إليه الشارح فيما قدمناه، فيكون الحالان من الهاء الضمير المنصوب بالمفعولية الثانية لرَوَّى -مشدد الواو-، والمفعول الأول: نا، التي هي ضمير المُعَظِّم نفسه بشرف الرواية، أو هو ومعه غيره من أصحابه، وهذه الحال متداخلة، وتقدير ذلك: رُوِّيناه حال كونه في «مسند الإمامين» ، وحال كونه وهو من «مسند الإمامين» حاصلاً بإسناد جيد. ويصح أن يكون الجار والمجرور الثاني وهو قوله: «بإسناد جيد» متعلقاً بقوله: حديث صحيح، إمَّا بحديث، وإما بصحيح، وليس هذا الجار والمجرور الأول متعلقاً برويناه؛ لأنّ إسناده هو لم يُرِد الإخبار عنه بأنه جيد، ولم يرد ذكره، وإنما أراد بالإسناد الجيد: إسناد الإمام أحمد والدارمي، يدل عليه قول الشارح المذكور: فإنْ قلتَ: ما حِكْمة قول المصنف أولاً: حديث صحيح، وقوله هنا: بإسناد جيد؟ قلت: حكمته: أنه لا يلزم من كون الحديث في «المسندين» المذكورين أن يكون صحيحاً، فبين أولاً بأنه صحيح، وثانياً: أنّ سبب صحته أن إسناد هذين الإمامين الذين أخرجاه صحيح أيضاً، وله حكمة أخرى حديثية؛ وهي: ما صرحوا به أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن، فقد يصح فيه السند أو يحسن؛ لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن؛ لشذوذ فيه أو علة، فنص المصنف أولاً: على صحة المتن بقوله: «هذا حديث صحيح» ، وثانياً: على صحة السند بقوله: «بإسناد جيد» إلى آخر ما بسطه من الكلام في هذا المقام.
والحاصل: أنّ قول الإمام النووي -رحمه الله- هنا: روَيناه -بفتح الواو وتخفيفها- مبنياً للفاعل؛ يعني: روينا عن مشايخنا أو بإسنادنا هذا الحديث الكائن في «مسند الإمامين» المذكور ثمة بإسناد جيد، أو معناه: رُوِّيناه -بتشديد الواو- مبنياً للمفعول؛ أي: رَوَّى -بتشديد الواو- هذا الحديث لنا مشايخنا الكائن ذلك الحديث في «مسند الإمامين» ، كما أن قوله: فقد رَوَيْنا -بتخفيف الواو مفتوحة- والبناء للفاعل؛ أي: روت لنا مشايخنا بإسناد متصل عن علي بن أبي طالب ... إلى آخره، أو معناه: رُوِّينا -بتشديد الواو مكسورة- مبنياً= =للمفعول؛ أي: رَوَّتْنا -بتشديد الواو مفتوحة- مشايخنا عن علي بن أبي طالب ... إلى آخره، والله أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في الخامس عشر من ربيع الثاني سنة خمس وعشرين ومئة وألف على يد العبد الفقير محمد بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن الدكدكجي الدمشقي الحنفي -لطف الله به والمسلمين-، وذلك في مجلس واحد، ونقلتها مِن خط مؤلفها شيخنا الإمام الهمام العلامة -نفعنا الله تعالى والمسلمين ببركاته، وأمدنا بصالح دعواته-.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين» .
قال أبو عبيدة: انتهت الرسالة النافعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
اسم الکتاب : النقد والبيان في دفع أوهام خزيران المؤلف : القصاب، محمد كامل الجزء : 1 صفحة : 8